(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤٦)
أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها على المسير في تلك الشّقّة (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما يقولون.
٤٣ ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ) كناية عن الزلة لأنّ العفو رادف لها ، وهو من لطف العتاب بتصدير العفو في الخطاب ، وفيه دلالة فضله على سائر الأنبياء عليهمالسلام حيث لم يذكر مثله لسائر الأنبياء عليهمالسلام (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بيان لما كنّى عنه بالعفو ، ومعناه ما لك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلّوا لك بعللهم ، وهلّا استأنيت بالإذن (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) يتبين لك الصادق في العذر من الكاذب فيه ، وقيل شيئان فعلهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين وأخذه الفدية من الأسارى ، فعاتبه الله ، وفيه دليل جواز الاجتهاد للأنبياء عليهمالسلام ، لأنه عليهالسلام إنّما فعل ذلك بالاجتهاد ، وإنما عوتب مع أنّ له ذلك لتركه الأفضل ، وهم يعاتبون على ترك الأفضل.
٤٤ ـ (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا) ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) عدة لهم بأجزل الثواب.
٤٥ ـ (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني المنافقين وكانوا تسعة وثلاثين رجلا (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) شكّوا في دينهم واضطربوا في عقيدتهم (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) يتحيّرون ، لأن التردد ديدن المتحيّر كما أنّ الثبات ديدن المتبصّر.
٤٦ ـ (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ) للخروج ، أو للجهاد (عُدَّةً) أهبة لأنهم كانوا مياسير ، ولما كان ولو أرادوا الخروج معطيا معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو قيل (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) نهوضهم للخروج ، كأنه قيل ما خرجوا ولكن تثبّطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم (فَثَبَّطَهُمْ) فكسّلهم وضعّف