(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢)
ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادي على عظمته قال :
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌ) لا يسمعون كلام المنبه (وَبُكْمٌ) لا ينطقون بالحق خابطون (فِي الظُّلُماتِ) أي ظلمة الجهل والحيرة والكفر ، غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه. صم وبكم خبر الذين ودخول الواو لا يمنع من ذلك ، وفي الظلمات خبر آخر ، ثم قال إيذانا بأنه فعّال لما يريد (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أي من يشأ الله ضلاله يضلله (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وفيه دلالة خلق الأفعال وإرادة المعاصي ونفي الأصلح.
٤٠ ـ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) وبتليين الهمزة مدني ، وبتركها (١) علي ، ومعناه هل علمتم أنّ الأمر كما يقال لكم فأخبروني بما عندكم ، والضمير الثاني لا محلّ له من الإعراب ، والتاء ضمير الفاعل ، ومتعلّق الاستخبار محذوف تقديره أرأيتكم (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) من تدعون ، ثم بكّتهم بقوله (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) أي أتخصّون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ أم تدعون الله دونها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنّ الأصنام آلهة فادعوها لتخلّصكم.
٤١ ـ (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ) أي ما تدعونه إلى كشفه (إِنْ شاءَ) إن أراد أن يتفضل عليكم (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) وتتركون آلهتكم ، أو لا تذكرون آلهتكم في ذلك الوقت لأنّ أذهانكم مغمورة بذكر الله وحده إذ هو القادر على كشف الضرّ دون غيره ، ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله أغير الله تدعون ، كأنه قيل أرأيتكم أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله.
٤٢ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) رسلا فالمفعول محذوف فكذبوهم (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) بالبؤس والضّرّ ، والأول القحط والجوع والثاني المرض ونقصان الأنفس والأموال (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) يتذللون ويتخشّعون لربهم ، ويتوبون عن
__________________
(١) في (ظ) و (ز) وبتركه.