فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢)
(عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) من لابتداء الغاية متعلق بمحذوف (١) أي هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم ، كما تقول كتاب من فلان إلى فلان ، أو مبتدأ لتخصّصها (٢) بصفتها والخبر إلى الذين عاهدتم ، كقولك رجل من بني تميم في الدار ، والمعنى أنّ الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين ، وأنه منبوذ إليهم.
٢ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فسيروا في الأرض كيف شئتم ، والسّيح : السير على مهل ، روي أنهم عاهدوا المشركين من أهل مكة وغيرهم من العرب فنكثوا إلا ناسا منهم ، وهم بنو ضمرة وبنو كنانة ، فنبذ العهد إلى الناكثين ، وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاؤوا لا يتعرّض لهم ، وهي الأشهر الحرم في قوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) (٣) ذلك لصيانة الأشهر الحرم من القتل والقتال فيها ، وكان نزولها سنة تسع من الهجرة وفتح مكة سنة ثمان ، وكان الأمير فيها عتّاب ابن أسيد (٤) ، وأمّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر على موسم سنة تسع ، ثم أتبعه عليا راكب العضباء (٥) ليقرأها على أهل الموسم فقيل له : لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : (لا يؤدّي عني إلّا رجل مني) فلما دنا علي سمع أبو بكر الرّغاء ، فوقف وقال : هذا رغاء ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما لحقه قال : أمير أو مأمور؟ قال : مأمور ، فلما كان قبل التّروية خطب أبو بكر وحثّهم على مناسكهم ، وقام عليّ يوم النحر عند جمرة العقبة فقال : يا أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم ، فقالوا : بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ، ثم قال : أمرت بأربع ، أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلّا كلّ نفس مؤمنة ، وأن يتم إلى كلّ ذي عهد عهده ، فقالوا عند ذلك : يا علي أبلغ ابن عمك أنّا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا وأنه
__________________
(١) زاد في (ز) وليس بصلة كما في قولك برئت من الدين.
(٢) في (ز) لتخصيصها.
(٣) زاد في (ز) فاقتلوا المشركين.
(٤) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس ، أبو عبد الرحمن ، وال أموي ، قرشي مكي ، من الصحابة ، من أشراف العرب في صدر الإسلام ، أسلم يوم فتح مكة ، واستعمله النبي عليهالسلام عليها عند خروجه إلى حنين سنة ٨ ه ، وبقي عليها عهد أبي بكر وولد عام ١٣ ق. ه ومات عام ١٣ ه وبعض المؤرخين يذكر أنه عاش واليا إلى أواخر عهد عمر (الأعلام ٤ / ١٩٩).
(٥) العضباء : ناقة مشقوقة الأذن ، وهو أيضا لقب ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم تكن مشقوقة الأذن (مختار الصحاح).
(١) قال ابن حجر : هذا ملفق من مواضع فصدره مذكور في مغازي ابن إسحاق ، وقوله وكان الأمير فيها ـ