(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٩)
أعناقهم ، فقال عليهالسلام : (مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم) حيث قال : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢) ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهم : (إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم) فقالوا : بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد (٣) ، فلما أخذوا الفداء نزلت الآية : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) متاعها يعني الفداء سماه عرضا لقلّة بقائه وسرعة فنائه (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل (وَاللهُ عَزِيزٌ) يقهر الأعداء (حَكِيمٌ) في عتاب الأولياء.
٦٨ ـ (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ) لو لا حكم من الله (سَبَقَ) أن لا يعذب أحدا على العمل بالاجتهاد ، وكان هذا اجتهادا منهم ، لأنهم نظروا في أنّ استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم ، وأنّ فداءهم يتقوّى به على الجهاد ، وخفي عليهم أنّ قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم ، أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر ، أو ألا يؤاخذ قبل البيان والإعذار ، وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكري القياس. كتاب مبتدأ ومن الله صفته ، أي لو لا كتاب ثابت من الله ، وسبق صفة أخرى له ، وخبر المبتدأ محذوف ، أي لو لا كتاب بهذه الصفة في الوجود ، وسبق لا يجوز أن يكون خبرا لأنّ لو لا لا يظهر خبرها أبدا (لَمَسَّكُمْ) لنالكم وأصابكم (فِيما أَخَذْتُمْ) من فداء الأسرى (عَذابٌ عَظِيمٌ) روي أنّ عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان ، فقال يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت ، فقال : (أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة) (٤) لشجرة قريبة منه. وروي أنه عليهالسلام قال : (لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ) (٥) لقوله كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ.
٦٩ ـ (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) روي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم
__________________
(١) إبراهيم ، ١٤ / ٣٦.
(٢) نوح ، ٧١ / ٢٦.
(٣) رواه مسلم عن ابن عباس عن عمر في حديث طويل.
(٤) رواه أحمد والطبري من حديث عبد الله.
(٥) الطبري من طريق ابن إسحاق.