(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤٤)
ذلك كلّه مشاهدة ليعلم الخلق أنّ النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب بل بالله تعالى ، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضا لا بأس بها ، ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار (١) تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فيها إلا بتعب (٢) ، وكان العير وراء ظهور العدوّ مع كثرة عددهم وعدّتهم وقلة المسلمين وضعفهم ، ثم كان ما كان (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بكفر من كفر وعقابه وبإيمان من آمن وثوابه.
٤٣ ـ (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) نصبه (٣) بإضمار اذكر ، أو هو متعلق بقوله لسميع عليم ، أي بعلم المصالح إذ يقللهم في عينك (فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) أي في رؤياك ، وذلك أنّ الله تعالى أراه إياهم في رؤياه قليلا ، فأخبر بذلك أصحابه فكان ذلك تشجيعا لهم على عدوّهم (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم وهبتم الإقدام (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أمر القتال وترددتم بين الثبات والفرار (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) عصم وأنعم في السلامة (٤) من الفشل والتنازع والاختلاف (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يعلم ما سيكون فيها من الجرأة (٥) والجبن والصبر والجزع.
٤٤ ـ (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) الضميران مفعولان ، أي وإذ يبصّركم إياهم (إِذِ الْتَقَيْتُمْ) وقت اللقاء (فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) هو نصب على الحال ، وإنما قلّلهم في أعينهم تصديقا لرؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدّوا ويثبتوا ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قلّلوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، وكانوا ألفا (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور ، قيل قد قلّلهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيما بعده ، ليجترئوا عليهم قلة مبالاة بهم ، ثم تفجأهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا ، ويجوز أن يبصروا
__________________
(١) خبار : أي ما لان من الأرض واسترخى (القاموس ٢ / ١٧).
(٢) زاد في (ظ) و (ز) ومشقة.
(٣) في (ز) نصب.
(٤) في (ظ) و (ز) بالسلامة.
(٥) في (ظ) و (ز) الجراءة.