(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩)
٢٦ ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) إذ مفعول به لا ظرف ، أي واذكروا وقت كونكم قلة أذلة (مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) أرض مكة قبل الهجرة يستضعفكم قريش (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) لأنّ الناس كانوا لهم أعداء مضادين (فَآواكُمْ) إلى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النّعم.
٢٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ) بأن تعطّلوا فرائضه (وَالرَّسُولَ) بأن لا تستنّوا به (وَتَخُونُوا) جزم عطف على لا تخونوا أي ولا تخونوا (أَمِنْتُكُمْ) فيما بينكم بأن لا تحفظوها (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تبعة ذلك ووباله ، أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون ، يعني أنّ الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو ، أو وأنتم علماء تعلمون حسن الحسن وقبح القبيح ، ومعنى الخون النقص كما أنّ معنى الإيفاء التمام ، ومنه تخوّنه إذا انتقصه ، ثم استعمل في ضدّ الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه.
٢٨ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي سبب الوقوع في الفتنة ، وهي الإثم والعذاب ، أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فعليكم أن تحرصوا على طلب ذلك وتزهدوا في الدنيا ولا تحرصوا على جمع المال وحبّ الولد.
٢٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) نصرا لأنه يفرق بين الحقّ والباطل ، وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ، أو بيانا وظهورا يشهّر أمركم ويبثّ صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض ، من قولهم سطع الفرقان أي طلع الفجر ، أو مخرجا من الشبهات وشرحا للصدور ، أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلا ومزية في الدنيا والآخرة (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي الصغائر تفسير النسفي ج ٢ / م ١٠