عليهم وأنه محيط بهم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) ـ أى بعزم شديد ـ (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ومن هذا النوع الذى ذكره الرمانى قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤) [يونس : ٢٤].
وقد أخرج الرمانى التشبيه كالآية السابقة فى نظره ، فقال : «قد أخرج ما لم تجر به العادة ، إلى ما جرت به العادة ، وقد اجتمع المشبه والمشبه به فى الزينة والبهجة ، ثم الهلاك بعده ، وفى ذلك العبرة لمن اعتبر ، والموعظة لمن تفكر فى أن كل فان حقير ، وإن طالت مدته ، وصغير ، وإن كبر قدره».
وما ذكره الرمانى حق فى إيجازه ، ولكنه ناقص ، ونوضحه بعض التوضيح فنقول : إن التشبيه تصوير للحياة ، فإن مثلها فى بهجتها ومسراتها ، وهناءتها والسعادة فيها مهما تبلغ من المظهر البهى ، والزينة الباهرة ليس لها بقاء ، وإنما مآلها إلى الفناء ، كمثل الماء ينزل من السماء فينبت النبات الذى يأكل منه الناس مستمتعين ، والأنعام والدواب ، وأنه إذ يبلغ أقصى زخرفه ونضرته ومتعته ، وامتلاء أهل الأرض بالغرور ، وظنوا أن كل شىء فى قبضة أيديهم جاءهم أمر الله ، فصار النبات هشيما ، والإنسان رميما كأن لم يغن أحد بالأمس.
وإن ما ذكره الرمانى صادق فى إيجازه ، ولكنه لا يصور الصورة التى يدل عليها التشبيه ، وهو يريك الحياة كالعروس فى جلوتها ، ثم كالهشيم فى صغاره.
ومن التشبيهات التى ساقها الرمانى قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢٠). [القمر : ١٩ ، ٢٠]
ويقول الرمانى فى بيان وجه التشبيه : «وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت به عادة ، وقد اجتمعا فى قلع الريح لهما وإهلاكه إياهما وفى ذلك توحد الآية الدالة على عظم القدرة ، والتخويف من تعجيل العقوبة».
وإن هذا القدر الذى ذكره الرمانى متحقق ، ولكن لا يمكن أن يكون وجه التشبيه هو تشبيه ما لم تجر العادة به بما جرت به العادة فقط ، إنما الألفاظ والأسلوب ، وما يثيره من صور بيانية تعلو به عن أن يكون لمجرد إثبات ما لا تجرى به العادة إلى ما تجرى. إنما المقصود من التشبيه فيما نحسب تصوير عذاب الله تعالى ، فالله تعالى