الاستهلاك أبدا ، إن تعدد ألوان المطالب التى قد تضطر للاقتراض لقضائها وليد حياة متحضرة ، ولم تكن هذه الحضارة عند أهل البادية.
ولذا نقول : إن ربا الجاهلية ، وهو الربا المحرم فى القرآن يكاد ينصب على قرض الاستغلال ابتداء ، والثانى يجيء من عموم النص ، وفى التعاون بالزكاة غنى عن الاقتراض للاستهلاك.
شيوع الربا :
٢٢١ ـ لقد شاع التعامل بالربا ، حتى صار يسيطر على النظام الاقتصادى ، ويقول اقتصاديو هذا الزمان : كيف يسوغ ترك التعامل بالربا وهو قوام الاقتصاد الحاضر؟.
ونقول : إن هذا الزمن هو الذى تحققت فيه نبوءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، إذ يقول : «يأتى زمان على الناس يأكلون فيه الربا ، قيل : الناس كلهم يا رسول الله ، قال : من لم يأكله ناله غباره».
وإن الذين أدخلوا هذا النظام فى كل قارات العالم هم اليهود ، وأذكر منهم آل روتشيلد ، الذين وزعوه فى القارات ، ونشروه ، وسيطروا به على العالم الاقتصادى ، وكان الربا سبيلا للاستعمار فى البلاد الإسلامية ، وخصوصا العربية.
ومهما يكن مصدر الربا ، ومهما يكن الذين أشاعوه ، فإنا نقرر حقيقتين :
أولاهما ـ أن تحريم الربا ليس بسبب خلقى ، حتى يقصر التحريم ، على القروض الاستهلاكية ، كما يتوهم بعض المتفقهة ، إنما الأساس فى تحريمه اقتصادى ، فالإسلام يدعو إلى نظام اقتصادى يقوم على منع الربا ، لأن الربا من شأنه أن يجعل رأس المال منتجا من غير عمل عامل ، بل من غير تحمل لتبعة العمل ، وإذا ساد وجدت طائفة من الناس يتخذون التعطل سبيلا ويأكلون ثمرات غيرهم من التجار والزراع والصناع ، ولقد قرر المحققون من الذين درسوا الاقتصاد الحقيقى أن الكسب بالانتظار لا ينمى الأمة اقتصاديا ويفسدها اجتماعيا ، إذ إن الكسب بالانتظار لا ينتج ، إنما الذى ينتج هو الذى يعمل زارعا ، أو تاجرا ، أو صانعا ، وإنك إذا درست ما أحله الله تعالى وما حرمه من المكاسب ، تجد أن المكاسب التى أحلها الإسلام ، هى التى تزيد ثروة الأمة ، وتنمى إنتاجها أو تنفع الناس ، والمحرم من المكاسب ما لا ينمى ثروة الأمة ، ولا ينفع الناس ، ولا شك أن المكسب بالربا ليس فيه تنمية للثروة ، ولا عمل لنفع ، إنما الذى يكون منه هذا هو المقترض ، فبأى حق يأخذ المتعطل منه ثمرة عمله من غير تحمل لخسارة إن كانت.
الحقيقة الثانية ـ أن التعامل فى الإسلام يقوم على أساس التعاون ، وأن يفيض ذو المال على من لا مال عنده ، ويتعاونا على الاستغلال بأن يكون ثمة مشاركة فى الكسب