صورة بيانية للطمع والشح ثم الندم
٦٠ ـ تلك صورة لمن سيطر عليهم الشح فذاقوا عاقبته ، ثم تنادوا بالتوبة والتلاوم قال تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٣٣) [القلم : ١٧ ـ ٣٣].
سبحان الله تعالت كلماته ، وعز قرآنه ، وعلا بيانه ، ولعل من فضول القول أن أقول أن الآيات تصوير رائع لنفس الشحيح ، وحرصه ، وندمه. إن ذلك من فضول القول ؛ لأن القرآن كله رائع لا يصل إلى روعته كلام مطلقا ، ولا يستطيعه قائل.
إن الآيات الكريمة فيها :
(١) صورة بيانية لنفس الحريص الغافل عن سلطان الله تعالى.
(٢) وصورة بيانية لغفلة الحريص عن قضاء الله تعالى ، وأن كل شىء عنده بحساب.
(٣) وفيها بيان لحال المناعين للخير ، وما يدور فى نفوسهم.
(٤) وصورة بيانية للندم كيف يدخل النفوس بعد التنبه.
(٥) ثم حال الندم وما يليه من توبة نصوح.
(٦) ثم بيان حال الرجاء فى رضا الله تعالى.
وقبل أن نتكلم فى تلك الصور البيانية نقول : إن الألفاظ ليس فيها نبوة تبدو ، ولو بترجيح النظر كرّات ، والتناسق فيها متوافق النغم تفيد برنينها ، وتصل إلى القلوب فى عميقها ، والمعانى متآخية تتجه كلها إلى تصوير الطامعين أهل الشح ، وكيف يبتدئ بالحرص العنيف المغالى فيه ، وتغليب الطمع فى كل شىء ، والاستيثاق من تحقق ما يطمع فيه ، كما يصور له الطمع ، ثم يشتد المنع حتى يكون لكل خير ، ثم تكون المفاجأة.
هذا ، وإن مجال التصوير يظهر فى أن الموضوع كله ذكر مثلا لكل مناع للخير لأنه ذو مال وبنين ، ودفعه غروره بما آتاه الله من مال ثم كفر به ، واعتدى ، وكانت