في (تِلْكُمُ)(١) من الإشارة ، أي أعطيتموها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٤٣] أي بسبب عملكم في الدنيا.
(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤))
قوله (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) إخبار بما قال أهل الجنة عند دخولهم الجنة لأهل النار اعترافا بنعم الله وتغيظا عليهم (أَنْ) أي أنه (قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) من الثواب (حَقًّا) أي صدقا (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العذاب (حَقًّا) أي صدقا ، فحذف المفعول من «وعد» الثاني لدلالة مفعول الأول عليه وهو «نا» ، ووعد يستعمل في الخير والشر (قالُوا نَعَمْ) فاعترفوا على أنفسهم حين لا ينفعهم الاعتراف ، قرئ بكسر العين وفتحها (٢) من نعم حيث وقع في القرآن ، وهو لتصديق ما سبق من الموجب ، وهو وجدتم ولم يقل بلى ، لأنه جواب استفهام دخل على النفي (فَأَذَّنَ) أي نادى لإعلام الفريقين (مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [٤٤] بتشديد «أن» ونصب «لعنة» بها وبتخفيفها من الثقيلة ورفع «لعنة» (٣) ، أي إنه عذاب الله على الكافرين.
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥))
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ) أي يصرفون الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن ملة الإسلام (وَيَبْغُونَها) أي يطلبون سبيل الله وهو ملة الإسلام (عِوَجاً) أي زيغا عن الهدى (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث (كافِرُونَ) [٤٥] أي جاحدون.
(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦))
(وَبَيْنَهُما) أي بين الفريقين من أهل الجنة والنار (حِجابٌ) للامتياز بينهما بعد الاجتماع ، وهو السور المضروب بينهم فوق الصراط ، وهو نوع من العذاب للكفار ، وقيل : «هو السور المسمى بالأعراف بمعنى العوالي لارتفاعه المضروب بين الجنة والنار» (٤) ، وقيل : «من المعرفة ، لأن من كان عليه يعرف أهل الجنة والنار» (٥)(وَعَلَى الْأَعْرافِ) أي وعلى أعراف الحجاب وهي أعاليه ، جمع عرف ، استعير من عرف الديك والفرس (رِجالٌ) من المسلمين ، وهم الذين يحبسون فيه لقصور أعمالهم إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة ، قيل : «هم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم لا فضلة ترجح إحديهما إما إلى الجنة أو إلى النار» (٦) أو «قوم قتلوا في سبيل الله مع عصيان آبائهم» (٧) أو «خرجوا إلى الغزو بلا إذن آبائهم فقتلوا» (٨) أو «هم أولاد الزنا من الصالحين» (٩) أو «الشهداء العدول في الآخرة الذين ينظرون ما يقضي بين الناس» (١٠) أو «هم أهل الفضل من المؤمنين» (١١) ، أعني الذين لا عمل لهم ووقفوا حتى يدخلوا الجنة بفضله تعالى (يَعْرِفُونَ كُلًّا) من السعداء والأشقياء (بِسِيماهُمْ) أي بعلاماتهم من بياض الوجوه لأهل الإيمان وسوادها لأهل الكفر (وَ) إذا نظروا إلى أهل الجنة (نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) حين مروا بهم ببياض الوجوه ليدخلوا الجنة (لَمْ يَدْخُلُوها) أي لم يدخل أهل الجنة الجنة حتى يسلم عليهم أهل الأعراف (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) [٤٦] أي يطعم أهل الجنة
__________________
(١) تلكم ، ب : تلك ، س م.
(٢) «نعم» : قرأ الكسائي بكسر العين ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١١٧.
(٣) «أن لعنة» : قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب باسكان النون ورفع «لعنة» ، والباقون بفتحها مع التشديد ونصب «لعنة». والباقون بفتحها مع التشديد ونصب «لعنة». البدور الزاهرة ، ١١٧.
(٤) قال القتبي نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٠٨.
(٥) ذكر السدي نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٢ ؛ البغوي ، ٢ / ٤٧٥.
(٦) عن ابن عباس وحذيفة بن اليمان ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٧٦.
(٧) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٧٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣.
(٨) عن شرحبيل بن سعد ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٧٦.
(٩) قال ابن عباس نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٣.
(١٠) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١١) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٧٧.