سورة الأنعام
كلها مكية
قيل (١) : نزلت ومعها سبعون ألف ملك يسبحون ويحمدون (٢)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) حمد الله تعالى ذاته القديم على توحيده الذي دل عليه خلق هذه الأجرام العظام الذي يعجز عنه سواه ، أي جميع المحامد لله الذي خلق السموات مع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم ، وخلق الأرض مع ما فيها من الجبال والبراري والأشجار والثمار والبحار والأنهار (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) أي أحدثهما بعد خلق السموات والأرض ، لأن الظلمة الظل المنشأ من الأجسام الكثيفة ، والنور الضوء المنشأ من النار ، وهما من الأعراض التي لا تقوم إلا بالجواهر ، قيل : المراد بهما الليالي والأنهر (٣) ، وإنما جمع الظلمة دون النور لقلة النور وكثرة الظلمات ، لأن لكل كثيف ظل (٤) وليس لكل شيء نور (٥) ، والفرق بين الخلق والجعل أن في الخلق معنى التقدير من العدم ، وفي الجعل معنى التصيير من الوجود ، قوله (٦)(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بمعنى أن الله ما خلق ذلك كله إلا نعمة للناس وغيرهم ، فهو حقيق بكل الحمد على ما خلق ، ثم الذين كفروا أي جحدوا (بِرَبِّهِمْ) أي بتوحيده (يَعْدِلُونَ) [١] أي يشركون به غيره فيكفرون نعمته ، و (ثُمَّ) لاستبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢))
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي خلق أصلكم آدم (مِنْ طِينٍ) أي كائنا منه ، لأنه أخذ تراب من وجه الأرض أحمرها وأبيضها وأسودها وغير ذلك (٧) ، ثم عجن بالماء العذب والملح وغيرهما ، فتلونت أبدانكم واختلفت أخلاقكم ، ثم جعل طينا ثم صور آدم منه ثم نفخ الروح فيه (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أي مدة تعيشون بها إلى الموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) مبتدأ نكرة موصوفة ، خبره (عِنْدَهُ) أي والمدة التي هي من يوم الموت إلى يوم البعث معلومة له مكتوب (٨) في اللوح المحفوظ أن البعث لواقع بعد انقضائها يوم القيامة ، وقدم الأجل تعظيما له وإن كان حق المبتدأ النكرة التأخير (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) [٢] أي تشكون في البعث بعد الموت وتستبعدونه بعد نصب الدلائل عليه ، وهي خلقكم من تراب وحيوتكم مدة وموتكم بعدها (٩) ، وربكم أقدر على بعثكم من أول خلقكم.
__________________
(١) قيل ، ب س : ـ م.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٣٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣.
(٣) الأنهر ، س م : الأنهار ، ب.
(٤) ظل ، ب م : ظلا ، س.
(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ٥٧.
(٦) قوله ، س : ب م.
(٧) وقد مر ذكره في أثناء تفسير قوله تعالي «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...» رقم الآية (٣٤) من سورة البقرة.
(٨) مكتوب ، ب س : مكتوبة ، م.
(٩) وموتكم بعدها ، ب م : وموتكم مدة بعدها ، س.