سورة إبراهيم
مكية إلا آيتين ، وهما (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا)(١) إلى (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)(٢).
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١))
(الر) أي أنا الله الرقيب على كل شيء (كِتابٌ) أي هذا سورة أو فرقان (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) بجبريل (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمة المعصية إلى نور الطاعة ، ومن ظلمة الجهل والشك إلى نور العلم واليقين (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتسهيله أو بأمره ، نصب على الحال من فاعل «تخرج» ، أي مأذونا لك ، وأبدل من قوله «إِلَى النُّورِ» (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ) أي الغالب في أمره بالانتقام عن مخالفه ، ويجوز أن يكون مستأنفا ، كأنه قيل : إلى أي نور؟ فقيل : إلى صراط العزيز (الْحَمِيدِ) [١] أي المحمود في فعاله المستحق للحمد أو الحامد لأفعال خلقه يشكر لهم اليسير من أعمالهم ويعطيهم الجزيل.
(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢))
(اللهِ) بالرفع مبتدأ ، خبره (الَّذِي) مع صلته ، وبالجر (٣) بدل من «العزيز» أو عطف بيان لا نعت له ، أي إلى صراط الله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي كله ملكه حكمه نافذ فيهم (وَوَيْلٌ) أي دعاء الولولة والعقوبة (لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [٢] أي غليظ دائم ، يعني أنهم يضجون منه ويقولون يا ويلاه يوم القيامة في النار.
(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣))
ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ) أي يختارون (الْحَياةَ الدُّنْيا) الفانية (عَلَى الْآخِرَةِ) الباقية لشكهم فيها أو للتهاون بأمرها ، ويجوز أن يكون (الَّذِينَ) رفعا بالابتداء ، خبره (أُولئِكَ) أو بخبرية مبتدأ محذوف ، أي هم الذين أو نصبا على الذم ، أي أعني الذين يختارون الدنيا على الآخرة (وَيَصُدُّونَ) أي يصرفون الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دينه الحق وهو ملة الإسلام (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يطلبون لسبيل الله اعوجاجا وميلا عن الحق (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [٣] أي في ضلال فيه بعد عن طريق الحق أو بعيد صاحب الضلال عنه.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤))
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ) إلى أمة من الأمم (إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) أي بلغتهم ليفهموا عنه كلامه ، فلو قيل : إن النبي
__________________
(١) إبراهيم (١٤) ، ٢٨.
(٢) إبراهيم (١٤) ، ٣٠.
(٣) «الله» : قرأ المدنيان والشامي برفع الهاء من لفظ الجلالة وصلا وابتداء ورويس برفعها في الابتداء وخفضها في الوصل ، والباقون بالجر في الحالين. البدور الزاهرة ، ١٧١.