سورة الرعد
مكية سوى آيتين وهما قوله (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١) الآية ،
وقوله (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً)(٢) الآية.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١))
(المر) قال ابن عباس معناه (٣) : «أنا الله أعلم وأرى» (٤) ما تحت العرش إلى الثرى أو أعلم وأرى ما يقول الخلق وما يعملون أو قسم أقسم الله به وجوابه (تِلْكَ) أي الأخبار المقصوصة عليك (آياتُ الْكِتابِ) أي التورية والإنجيل والكتب المتقدمة النزول على الأنبياء قبلك ، ثم استأنف بالواو فقال (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي هذا القرآن المنزل عليك (مِنْ رَبِّكَ) أي من الله هو (الْحَقُّ) لا الباطل ، فاعتصم به ، فمحل (الَّذِي) رفع مبتدأ ، و (الْحَقُّ) خبره (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) من كفار مكة (لا يُؤْمِنُونَ) [١] أي لا يصدقون أنه من الله ، قيل : نزلت السورة حين قال مشركو مكة أن ما يقوله محمد من القرآن من تلقاء نفسه لا من الله فرد قولهم به (٥).
(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢))
ثم بين دلائل دالة على ربوبيته وتوحيده فقال (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) مبتدأ وخبر ، أي الله رفعها (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) بفتحتين ، جمع عمود وعماد على سبيل الشذوذ ، إذ القياس بضمتين ، ومحل (تَرَوْنَها) جر صفة ل (عَمَدٍ) ، فالمعنى : أن لها عمدا ولكن لا ترونها ، وقيل : الضمير في (تَرَوْنَها) راجع إلى (السَّماواتِ)(٦) ، ومحلها نصب على الحال ، فالمعنى نفي العمد أصلا ، يعني ليس من دونها دعامة تدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها ، والقائل بالعمد يزعم أنها جبل قاف ، وهو محيط بالدنيا والسماء عليها مثل بالقبة على الأرض (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي الله تعالى علا عليه من غير جهة (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لمنافع خلقه ليلا ونهارا (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي هما مقهوران يجريان على ما يريده الله إلى وقت معلوم ، وهو فناء الدنيا (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) خبر بعد خبر المبتدأ الأول (٧) ، أي الله يقضي أمر خلقه وحده ، وكذا (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يبين البراهين الدالة على وحدانيته بتنزيل القرآن على الرسول (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [٢] أي لكي تصدقوا بوعده الذي هو البعث.
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣))
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) عطف على الجملة الاسمية قبله ، أي الله بسطها من تحت الكعبة على الماء (وَجَعَلَ
__________________
(١) الرعد (١٣) ، ٣١.
(٢) الرعد (١٣) ، ٤٣.
(٣) معناه ، ب م : ـ س.
(٤) انظر السمرقندي ، ٢ / ١٨١ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٣٥.
(٥) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٣٥.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) المبتدأ الأول ، ب س : ـ م.