دخولها ، وقيل : لم يدخل أهل الأعراف الجنة فيسلم أهل الأعراف على أهل الجنة الذين دخلوها (١) ، والجملة (لَمْ يَدْخُلُوها) مع ما بعدها (٢) استئناف ، كأن سائلا يسأل كيف حال أهل الأعراف؟ فقيل : لم يدخلوها وهم يطعمون دخلوها أيضا ، قال الحسن : «والله ما جعل الله ذلك الطعم في قلوبهم إلا لكرامة يزيدهم بها» (٣).
(وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧))
(وَإِذا صُرِفَتْ) أي قلبت (أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) أي إلى جهتهم ، يعني إذا نظر أهل الأعراف إلى ناحية أهل النار ورأوا ما هم فيه من العذاب (قالُوا) مستعيذين بالله داعين إليه وموبخين لهم (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [٤٧] أنفسهم بالكفر والضلالة.
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨))
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) من الكفار في النار (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بعلامتهم معرفة سابقة (قالُوا) توبيخا لهم (ما أَغْنى عَنْكُمْ) أي أي شيء نفع بكم (جَمْعُكُمْ) من المال والولد (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) [٤٨] أي وتكبركم عن الإيمان في الدنيا من نزول العذاب بكم هنا ، ويقول أهل الأعراف أيضا إذا رأوا رجالا من رؤوس الكفرة كأبي جهل وأصحابه تنبيها للأبرار من المسلمين كبلال وصهيب والضعفة منهم.
(أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩))
(أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ) أي حلفتم لأجلهم (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) أي لا يدخلهم الله جنته ، ثم يقول الله تعالى لأصحاب الأعراف أيضا (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ) فيما يستقبل (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) [٤٩] فيما مضى ، وفائدة حبس أهل الأعراف في الأعراف (٤) ثم إدخالهم الجنة الإعلام بأن الجزاء على قدر الأعمال ، وإن التقدم والتأخر على حسبها ، يعني لا يسبق أحد عند الله إلا بسبقه في العمل ولا يتخلف عنده إلا بتخلفه (٥) فيه ، وترغيب السامعين في حال السابقين فيزيد المحسن في إحسانه ويرتدع المسيء عن إساءته ليأمن من التوبيخ والفضاحة يوم القيامة.
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١))
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا) أي ينادي الكفار في النار الأبرار (٦) في الجنة أن صبوا لسقينا (عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ) لأطعامنا (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من ثمار الجنة وإنما طلبوا ذلك مع يأسهم عن الإجابة إليه حيرة في أمرهم.
وفيه إيذان على أن ابن آدم لا يستغني عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب ، وإن الجنة فوق النار (قالُوا) أي أهل الجنة مجيبين إياهم (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما) أي الماء والثمار (عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ) [٥٠] أي الإسلام الذي جعله الله دينا لهم (لَهْواً وَلَعِباً) أي باطلا وفرحا (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي زينتها (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) أي نتركهم في النار كفعل الناسين (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) فتركوا الإيمان والعمل لأجله لإنكارهم البعث (وَما كانُوا بِآياتِنا) أي وكما كانوا بالقرآن (يَجْحَدُونَ) [٥١] في الدنيا بأنها ليست من الله.
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))
__________________
(١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٤٣.
(٢) «لم يدخلوها» مع ما بعدها ، س م : ـ ب.
(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٣.
(٤) في الأعراف ، ب س : ـ م.
(٥) عنده إلا بتخلفه ، ب : عنده في العلم بخلفه ، س م.
(٦) الأبرار ، ب س : للأبرار ، م.