(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠))
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن ومحمد عليهالسلام (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي تعظموا عن الميل إليها بالإيمان (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) بالتاء المضمومة مخففا ومثقلا ، وبالياء المضمومة مخففا (١) ، أي لا يصعد بأرواحهم عند الموت إلى السماء ، بل يهبط بها إلى سجين إهانة لهم أو لإيجاب أدعيتهم إذا دعوه أو ليس لهم عمل صالح يفتح (٢) أبواب السماء لأجله كما يفتح للمؤمنين (وَلا يَدْخُلُونَ) أي لا يدخل المكذبون (الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ) أي يدخل البعير (فِي سَمِّ الْخِياطِ) أي في ثقب الإبرة ، يعني لا يدخل الكافر الجنة أبدا كما لا يدخل زوج الناقة في ثقب الإبرة أبدا (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء وهو حرمان الجنة (نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [٤٠] أي المشركين بالله.
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١))
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) أي فراش من النار (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي لحف تغشاهم منها (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء من النار (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [٤١] أنفسهم بترك الإيمان واختيار الشرك.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢))
ثم أخبر عن حال المؤمنين بعد الكافرين بقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بآياتنا ، مبتدأ (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مع الإيمان (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي إلا بقدر طاقتها من العمل الصالح ، وهي جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب النعيم الأبدي بامكان الوسع من الطاقة لا الضيق ، وهو (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٤٢] أي لا يخرجون عنها أبدا.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ) أي في قلوبهم (مِنْ غِلٍّ) أي حقدا (٣) كان بينهم في الدنيا فسلمت قلوبهم وطهرت ، فلم يكن بينهم إلا التواد والتعاطف في الجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي من تحت غرفهم والأشجار بارادتهم (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا) أي أكرمنا (لِهذا) أي لهذا (٤) النعيم بتوفيقه لدين الإسلام إيانا (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) أي لهذا (٥) بواو وبغير واو (٦)(لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي لو لا هداية الله ما كنا لنهتدي له ، فجواب «لو» محذوف ، والجملة موضحة للجملة قبلها ، قيل : لما انتهوا إلى باب الجنة فاذاهم بشجرة تخرج من ساقها عينان ، فيشربون من إحديهما ويغتسلون من الأخرى ، فيطيب الله أجسادهم من كل درن ، وجرت عليهم النضرة وعاينوا الجنة وزينتها ، فقالوا سرورا وتلذذا بذكر ما فيها لا تعبدا وتقربا (٧)(لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) فآمنا بهم وعملنا بما قالوا لنا ، فثم أكرموا من رب العزة فتلقاهم خزنة الجنة فينادونهم قبل أن يدخلوها ، وهو معنى قوله (وَنُودُوا) أي قال لهم خزنة الجنة بأعلى صوت (أَنْ) أي بأنه ، ف (أَنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف وهو ضمير الشأن ، وخبرها (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) التي وعدتم بها (أُورِثْتُمُوها) حال من (الْجَنَّةُ) ، والعامل ما
__________________
(١) «لا تفتح» : قرأ أبو عمرو بالتاء الفوقية مع التخفيف والأخوان وخلف بالياء التحتية مع التخفيف ، والباقون بالتاء الفوقية مع التشديد. البدور الزاهرة ، ١١٦ ـ ١١٧.
(٢) يفتح ، ب : بفتح ، س م.
(٣) حقدا ، ب س : حقد ، م.
(٤) لهذا ، س م : بهذا ، ب.
(٥) لهذا ، ب م : ـ س.
(٦) «وما كنا» : قرأ ابن عامر بحذف الواو قبل «ما» ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ١١٧.
(٧) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٤١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٧٣ (عن السدي) ؛ والكشاف ، ٢ / ١٠٨.