(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦))
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْخَلَّاقُ) أي البليغ الخلق والإيجاد من العدم (الْعَلِيمُ) [٨٦] بحال ما يخلقه ويوجده ممن يؤمن ومن لا يؤمن ،
فيعلم بحالك وحالهم ، ويعلم متى قيام الساعة فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف فيها.
(وَلَقَدْ آتَيْناكَ
سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧))
قوله (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ
الْمَثانِي) إلى آخره ، نزل متصلا بما قبله لنهي النبي عليهالسلام عن الرغبة في الدنيا بعد الأمر بالإعراض عن أهلها ، لأن
الله تعالى أغناه بالقرآن والسبع المثاني ، أي ولقد أعطيناك مكان نعم الدنيا سبع
آيات من المثاني ، جمع مثناة أو مثنية وهي الفاتحة ، فانها سبع آيات بالإجماع
وسميت مثاني ، لأنها تثنى في الصلوة ، أي تقرأ في كل ركعة ، ف (مِنَ) للبيان أو لاشتمالها على الثناء على الله ، ف (مِنَ) فيه تبعيض ، وقيل : «لأنها نزلت مرتين ، مرة بمكة ومرة
بالمدينة ، كل مرة معها سبعون ألف ملك» ، وقيل : «لأن الله استثناها وادخرها لهذه الأمة» ، وقيل : «السبع المثاني هي السبع الطول ، أولها البقرة
وآخرها الأنفال مع التوبة» ، لأنهما في حكم سورة واحدة ، ولذلك لم يفصل بينهما
بالبسملة (وَالْقُرْآنَ
الْعَظِيمَ) [٨٧] عطف على (سَبْعاً) ، وليس فيه عطف الشيء على نفسه ، لأنه لما عني بالسبع
الفاتحة أو السبع الطول فما وراءها يطلق عليه اسم القرآن ، لأنه اسم يقع على البعض
كما يقع على الكل ، فكأن القرآن غيرها فحسن العطف ، قال عليهالسلام : «أم القرآن هي السبع المثاني» ، والقرآن العظيم سائر القرآن أو السبع المثاني كل
القرآن ، والمراد منه سبعة أسباع القرآن ، فالعطف بقوله (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) للبيان ، فالمعنى : آتيناك ما هو موصوف بهذين الوصفين
الشريفين فلا ترغب في غيره بقلبك.
(لا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨))
(لا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ) أي لا تنظرن بعين الرغبة والميل (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) أي الذي أعطيناه في الدنيا (أَزْواجاً) أي أصنافا من المال (مِنْهُمْ) أي بعض الكفار متمنيا لها ، ف (أَزْواجاً) حال من الضمير في (بِهِ) ، والفعل واقع على (مِنْهُمْ) ، ويجوز أن يقع الفعل على (أَزْواجاً) ، و «من» للبيان ، أي أصنافا من الكفرة (وَلا تَحْزَنْ) أي لا تغتم (عَلَيْهِمْ) إن لم يؤمنوا أو على نعمهم التي في أيديهم بفوت مشاركتك
إياهم في دنياهم ، فانها متاع قليل حقير في جنب القرآن العظيم ، فعليك أن تستغني
به ، قال عليهالسلام : «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، أي لم يستغن به من مال الدنيا أو لا تحزن عليهم إن
نزل بهم العذاب (وَاخْفِضْ جَناحَكَ
لِلْمُؤْمِنِينَ) [٨٨] أي لين جانبك لهم وارفق بهم ، والجناحان من ابن
آدم جانباه.
(وَقُلْ إِنِّي أَنَا
النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠))
(وَقُلْ) لأهل مكة (إِنِّي أَنَا
النَّذِيرُ الْمُبِينُ) [٨٩] أي المخوف لكم بالقرآن الذي هو برهان بين بلغة
تعرفونها أن العذاب نازل بكم إن لم تؤمنوا (كَما أَنْزَلْنا) العذاب (عَلَى
الْمُقْتَسِمِينَ) [٩٠] الكاف صفة مصدر محذوف بفعل الأمر يدل عليه (أَنَا النَّذِيرُ) ، أي أنذرهم إنذارا مثل ما أنزلنا من العذاب على أهل
الكتاب من اليهود والنصارى الذين اقتسموا ما يقرؤون من كتبهم ، فان اليهود أقرت
ببعض التورية وكذبت ببعض ، وكذا النصارى في
__________________