الإنجيل ، ويجوز أن يكون الكاف متعلقا ب (آتَيْناكَ) بمعنى أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على المقتسمين ، يعني شرفناك بالقرآن كما شرفناك بانزالنا العذاب على المقتسمين فيكون هذا تسلية للنبي عليهالسلام عن صنع قومه بالقرآن حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، ويكون توسط (لا تَمُدَّنَّ) إلى آخره بينهما مددا لهذه التسلية بالنهي عن الالتفات إلى دنياهم وبالأمر بالإقبال على المؤمنين وقيل : المقتسمون هم الذين اقتسموا القرآن (١) ، قال بعضهم : سحر (٢) ، وقال بعضهم : شعر (٣) ، وقال بعضهم : كذب (٤) ، وقيل : المقتسمون المشركون الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم يثبطون الناس عن اتباع النبي عليهالسلام والإيمان به ، ويذكرون عندهم مساويه (٥).
(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١))
ثم وصفهم بالصفة الكاشفة بقوله (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ) المنزل على الرسول عليهالسلام (عِضِينَ) [٩١] جمع عضة ، أصلها عضوة من عضيت الشاة إذا جعلتها أعضاء ، أي أجزاء ، ومنه العضو ، لأن البعض قال : القرآن شعر (٦) ، وبعض قال : سحر (٧) ، وبعض كهانة (٨) ، وبعض أساطير الأولين (٩) ، ففرقوا القول فيه.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣))
قوله (فَوَ رَبِّكَ) إقسام بنفسه تعالى سخطا عليهم (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [٩٢] سؤال توبيخ يوم القيامة (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [٩٣] في الدنيا ، والقول أيضا من العمل ، قيل : «لا يسألهم هل عملتم ، لأنه تعالى أعلم به منهم ، بل يقول لم عملتم كذا» (١٠) «سؤال تقريع وتوبيخ لا سؤال استعلاء» (١١).
(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤))
(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي أظهر وبين بالبيان الشافي الذي تؤمر به من الشرائع والأحكام بالقرآن الموحى إليك ليتميز الحق عن غير الحق ، وأصل الصدع الشق في الشيء الصلب كالزجاج وغيره ، استعير لكمال كشف الحق بالحجة القطعية (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [٩٤] أي اتركهم حتى يأتيك أمر الله بالقتال ، وهذا نسخ بآية السيف (١٢) ، قيل : «كان رسول الله عليهالسلام مستخفيا الوحي ، لا يظهر منه شيئا قبل نزول (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ، ثم خرج هو وأصحابه لإظهار الدعوة بالقرآن» (١٣).
(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥))
روي : أن جماعة من المشركين كانوا بمكة يستهزؤون النبي عليهالسلام حين أظهرها ويؤذونه كثيرا فنزل تسلية له عليهالسلام (١٤)(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [٩٥] بك وبالقرآن ، فان بعضهم كان يقول سورة العنكبوت لي وبعضهم سورة النحل لي.
(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦))
قوله (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ) أي بعتقدون (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي الأصنام وغيرها ، مبتدأ ، خبره (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [٩٦] ما يفعل بهم من العذاب ، وهم خمسة نفر من رؤساء قريش فأهلك الله تعالى في يوم واحد وليلة واحدة جميعهم ، كل واحد منهم بنوع من العذاب قبل بدر وهو وعيد لسائر الكفار.
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.
(٢) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.
(٣) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.
(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.
(٥) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ٣ / ١٣٩.
(٦) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤١٢.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(٨) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(٩) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(١٠) عن قطرب ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(١١) عن قطرب ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(١٢) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(١٣) عن عبد الله بن عبيدة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٣.
(١٤) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.