وثانياً : أن ما ذكره أصحاب هذه النظرية لا ينفع في المقام لان البحث ـ هنا ـ انما هو في بيان سبب نشوء العقيدة الدينية ، ومنشأ ظهورها في الحياة البشرية والحال أن ما ذكروه لا يتناول هذه الجهة ولا يوضح حقيقة هذا الأمر ، فان أقصى ما يدعيه أو يثبته هو استغلال جماعة معينة للعقيدة الدينية في سبيل أغراضهم ومصالحهم ضد طبقة أخرى ، وهو خارج عن محط البحث الراهن.
* * *
وثالثاً : أن التاريخ يدل على ان الانسان كان يحمل العقيدة الدينية في نفسه وعقله ، ويمارسها في حياته العملية منذ أن كان يقطن في المغارات والكهوف.
فان جميع تلك الجماعات البدائية كانت تخضع لمعبودات حقة أو باطلة.
بل يذهب بعض مؤرخي الديانات إلى أبعد من ذلك حيث يعتقدون أن الناس في أدوار التاريخ الأولى كانوا يتفقون على «اله واحد» وان التعددية وظاهرة الشرك طرأت على عقائدهم فيما بعد ، وهذا يعني أن التاريخ الحقيقي للعقيدة يسبق التاريخ الذي تقصده وتحدده هذه النظرية التي تقول بأن الاعتقاد بالله وبالمفاهيم الدينية جاء نتيجة علاقة الظالم والمظلوم والسيد والمسود ، وانه نتيجة الصراع الطبقي ، وحاكمية المستغلين على المستغلين ، اذ التاريخ يثبت ـ كما أسلفنا ـ أن العقيدة كانت رائجة بين الناس ، يوم كانوا أمة واحدة ، لا طبقات ولا أصناف.
* * *
رابعاً : أن النظرية المذكورة انما تكون صحيحة اذا كانت صادقة بالنسبة الى جميع الأدوار ، وكان موضوعها شاملا لجميع الموارد ، في حين نجد أن هناك دعاة إلى العقيدة الدينية لم يكن هدفهم ترسيخ حكومة الظالمين ولا تكريس حرمان المحرومين بل على العكس من ذلك كان هدفهم هو مقارعة