الحزن على ما فات ، وما شاكل ذلك من المفاهيم المهدئة للخواطر (١).
ونجيب على ذلك بأننا قد نوافقهم على ما ذكروه في الأمر الأول بعض الموافقة ، فقد كانت السلطات الأموية تروج فكرة الخلافة الالهية بمفهومها المحرف المخدر كلما كانت الشعوب المضطهدة في ظل حكمهم تعمد الى الاعتراض على أحكامهم التعسفية ، وممارساتهم الظالمة ، فيوهمون الناس بتلك الفكرة ، ويدعون بأنهم يمثلونها وانهم ينفذون ارادة الله ومشيئته فعلى الناس أن يرضخوا لحاكميتهم ، واحكامهم.
افقد سأل معبد الجهني ـ وكان تابعياً صدوقاً ـ استاذه الحسن البصري عن مدى صحة ما يعني به الأمويون من مسألة القضاء والقدر وتبريرهم لاعمالهم الجائرة والفاسدة بأنه من القدر الإلهي الذي لا مجال لمعارضته ومناقشته فأجابه : كذب اعداء الله هؤلاء» (٢).
الا انه يرد على مجموع هذه النظرية اشكالات عديدة هي :
أولا : إن معنى هذه النظرية هو أن العقيدة الدينية انبثقت أول ما انبثقت في ذهن الطبقة المستغِلة ، ثم نقلتها هذه الطبقة الى المستغّلين ، مع أن التاريخ لا يدل على مثل هذا التقدم والتأخر ، بل يثبت عكس ذلك ، حيث انه يدل على ان الناس ـ مع انقسامهم الى طبقة مستغلة ومستغلة ـ كانوا سواء في الاعتقاد والعبادة ، فليس هناك أي دليل على ان العقيدة الدينية ظهرت أولا بين الأسياد والحاكمین والمستغلين ثم انتقلت بفعلهم ـ الى المحرومين والمضطهدين.
* * *
__________________
(١) نعم ان التقدير ـ بهذا المعنى ـ وهو أن مصير الإنسان مرسوم دون ارادته ، وانه لا حيلة له في تغييره باطل ومرفوض ، كما ستعرف في الأبحاث القادمة.
(٢) تاریخ علم الكلام لشبلي النعماني نقلا عن تاريخ مصر المقریزی.