تاسعاً) أن تدهور أمر العقيدة الدينية وانحسارها في بعض المجالات والفترات التي نشط فيها الاقتصاد العام وانتشر الرفاه لا يعود الى ما ذكروه من النسبة التعاكسية بين «انتعاش الحالة الاقتصادية العامة» و «انحسار العقيدة الدينية» بحيث يكون انتعاش الحالة الاقتصادية العامة للكادحين سبباً في الأعراض عن العقيدة والمفاهيم الدينية ، وترديها سبباً لرواج العقيدة الدينية ، بل يعود الى ان طغیان غريزة من الغرائز من شأنه أن يغطي على الجوانب الاخرى في الحياة الانسانية ، وهذا لا يختص بغريزة حب المال والثروة ، بل يعم غريزة وحب الجاه والجنس وغير ذلك من الغرائز ، فاذا زادت الاستفادة من غريزة معينة كما لو تمادی المرء في غريزة حب المال وجمعه أو الجنس نسي سائر ما عنده من الغرائز بل وحتى ما اعتقده من افكار ثبتت لديه بالأدلة القاطعة كالدين وما شاكل ذلك.
وبعبارة أخرى : ان العقيدة المقدسة كالاعتقاد بالله التي لا تنفك عن تحمل المسؤوليات لا تزدهر ولا تتجلى بقوة في كل ما اتفق من بيئة ومحيط ، بل تزدهر وتنمو في بيئة سليمة من هيمنة الغرائز الطافحة وسيطرة الشهوات الطاغية التي تغطي على كل شيء سواها.
ومن هنا يكون من الطبيعي أن يتضاءل دور ونفوذ العقيدة الدينيّة ، وتكاد تختفي معالمها في البيئات التي تغطي عليها المادية ، ويكون الانسان فيها غارقاً في الشهوات من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ، ففي هذه الحالة لا تترك التوجهات المادية الطاغية الحادة مجالا لظهور الافكار الدينية وتجلي التوجهات الميتافيزيقية.
وليس هذا الانحسار تجاه طغيان شيء من الغرائز خاصاً بالدين بل يشمل بقية الجوانب الانسانية والغرائز البشرية.
فكلما طغى شيء اختفى في شعاعه شيء آخر من الأفكار أم من الغرائز.