أو انه يشبه باعتراض نملة دقيقة الجسم اذا مرت علی مصفاة بترول ضخمة قالت : وما فائدة هذه المصفاة الضخمة التي لا تدر عليّ بربح ولا تعود عليّ بفائدة؟!!
ثالثاً : ان القدر المكتشف من النظام الكوني البديع ـ مع أنه لا يشكل سوی معشار ذلك النظام (١) ـ يكفي في الاعتراف بأن النظام السائد على المادة ليس صادراً من المادة نفسها سواء أكان للبقية غير المكتشفة نظام أم لا.
ان مطالعة الكون ، وما ينطوي عليه من أسرار يكفي في الحكم بأنه غير حادث صدفة ، كما ان مطالعة جهاز العين وما ینطوي عليه من عجائب وأسرار وأنظمة وحكم يكفي للحكم عليه بأنه قد وجد بارادة عاقلة هادفة سواء اكتشفنا ما وراء العين أم لا.
ثم على فرض أن هذه الأمور الجزئية لا تنطوي على أية فائدة تتصل بحياة الانسان ، أفلا يكفي في الفائدة أن تكون مشاهدة هذه المظاهر الجزئية من اللانظام إلى جانب النظام العام باعثة للعقل البشري الى التأمل والنظر في النظام العام ، ودافعة له الى الاذعان بوجود خالق لهذا النظام فان الاشياء تعرف بأضدادها؟
ان هذا يعني أن اظهار النظام في مجموع الكون وابرازه والفات النظر والعقل اليه ربما استدعى ان نشفعه ببعض مظاهر الفوضى ، ونقرنه بالقضايا التافهة ، وكفى في هذا حكمة وهدفاً وفائدة.
ألسنا نجعل بعض النقاط السوداء في بعض نواحي الأوراق البيضاء لابراز البياض فيها ، اذ لولا تلك النقط السوداء لما التفت الذهن الى حجم البياض ومساحته وموضعه بعناية؟
__________________
(١) بل اقل من ذلك بكثير.