أليس من الظلم ـ وهو يرى مظاهر الحكمة والتصميم ، والتدبير والهدفية والقصد والتنسيق في مجموع النظام ـ اذا لاحظ أمراً يجهل الهدف منه ، لقصور في وسائله الادراكية ، أن يتهم مجموع الكون بالفوضى والعبثية وعدم القصد؟
ولنعم ما قال الدكتور «فلاماريون» في هذا الصدد :
«فلا تضيقن دائرة مدركاتنا ، ولا نؤسس مذاهب ولا نظریات ، ولا نزعمن ان كل شيء يجب أن يعلل حتى يمكن التسليم به فان العلم لا يزال بعيداً عن أن يلفظ كلمته الأخيرة في أي موضوع كان» (١).
فاذا كان هذا هو مبلغنا من العلم فلابد أن نعترف بأن عدم وجداننا الشيء لا يدل بالمرة على عدم وجوده.
ثانياً : ان من العجيب جداً أن يجعل المعترض «الانسان ومنافعه ومصالحه» ملاكاً للحكمة في وجود الاشياء ، وهو بذلك يكشف عن كبره وغروره ، وافراطه في حب الذات والانانية ، فاذا هو لم يجد في الكواكب والنجوم أية فائدة تعود على الانسان الذي يعيش على الكرة الأرضية بادر الى الحكم بنفي الحكمة في وجودها ، والاعلان عن عدم فائدتها ، وذلك الموقف ناشیء عن أنانية بالغة سرت للاسف الى بعض الفلاسفة والعلماء!!
أنه أشبه باعتراض عصفور صغير اذا مر على معمل نسيج هائل يحتوي على ما كنات ضخمة ، وأجهزة متعددة تتسبح الأقمشة ، وتنتج الالبسة فقال معترضاً في انانية طاغية : وما فائدة هذا المعمل الكبير بالنسبة اليّ. انه غير مفيد لاني لا أرى فيه فائدة لنفسي؟!!
__________________
(١) على اطلال المذهب المادي ص ١٣٨ من كتاب (المجهول) لكاميل فلا ماريون اكبر فلكيي الفرنسيين ومن اشهر فلاسفة الغرب.