أجل أن الكون ـ كما يقول العلماء ـ أشبه بأقيانوس عريض وعمیق وكبیر غارق في الظلمات ، ولم يستطيع البشر سوی كشف كيلو مترين منه بمصباح العلم والمعرفة فيما لا تزال البقية العظمى تختفي خلف تلك الظلمات الشاملة الهائلة.
ان البشر لم يستطع أن يقف ـ بصورة نهائية ـ على أقرب الاشياء اليه وهو نفسه ، فلا تزال كلمات بل أسطر بل صفحات كثيرة من هذا الكتاب العجيب غير معلومة ولا معروفة للانسان.
لنستمع إلى ما يكتبه الدكتور «الكسیس كاریل» الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة في كتابه المعروف «الانسان ذلك المجهول» تحت عنوان : «جهلنا بأنفسنا» :
«ان الانسانية قد بذلت جهودا جبارة لكي تعرف نفسها ، ومع أننا نملك كنوز الملاحظة التي جمعها العلماء والفلاسفة والشعراء والمتصوفة فنحن لا ندرك غير جوانب من الانسان وأجزاء منه .. الواقع أن جهلنا مطبق فأكثر الاسئلة التي يطرحها من يدرس أفراد الانسان بقيت دون جواب ولا تزال مناطق شاسعة من عالمنا الداخلي غير معلومة» ثم أشار الى نماذج من هذه المناطق المجهولة (١).
ولقد نبه القرآن الكريم الى هذا القصور والضئالة في العلم البشري وعجز الانسان عن الاحاطة بحقائق الحياة وبواطن الأمور اذ يقول :
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧ ـ الروم)
انه يصرح بأن معلومات الانسان عن الكون والحياة لم تتجاوز إطار هذه
__________________
(١) الانسان ذلك المجهول.