وقوله سبحانه : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ) معناه : أن القرآن العزيز تضمّن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات ، والبرّ ، وتضمّن أيضا حدودا على المعاصي ووعيدا على بعضها / فالأحسن للمرء أن يسلك طريق الطاعة والانتهاء عن المعصية والعفو في الأمور ونحو ذلك من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية ؛ فيحدّ أو يقع تحت الوعيد ، فهذا المعنى هو المقصود ب (أَحْسَنَ) ، وليس المعنى : أنّ بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن ، * ت* : وروى أبو بكر بن الخطيب بسنده عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : في قول الله ـ عزوجل ـ : (يا حَسْرَتى) قال : الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة ، قال : فهي الحسرة (١) ، انتهى.
وقوله : (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي : في جهة طاعته وتضييع شريعته والإيمان به ، وقال مجاهد : (فِي جَنْبِ اللهِ) أي : في أمر الله (٢) ، وقول الكافر : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) ندامة على استهزائه بأمر الله ـ تعالى ـ ، و «كرة» مصدر من كرّ يكرّ ، وهذا الكون في هذه الآية داخل في التّمنّي ، وباقي الآية أنواره لائحة ، وحججه واضحة ، ثم خاطب تعالى نبيّه بخبر ما يراه يوم القيامة من حالة الكفّار ، وفي ضمن هذا الخبر وعيد بيّن لمعاصريه ـ عليهالسلام ـ فقال : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ تَرَى) من رؤية العين ، وظاهر الآية أنّ وجوههم تسودّ حقيقة.
(وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(٦٦)
وقوله سبحانه : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ ...) الآية ، ذكر تعالى حالة المتّقين ونجاتهم ؛ ليعادل بذلك ما تقدّم من شقاوة الكافرين ، وفي ذلك ترغيب في حالة المتقين ؛ لأن الأشياء تتبيّن بأضدادها ، و «مفازتهم» مصدر من الفوز ، وفي الكلام حذف مضاف ، تقديره : وينجّي الله الذين اتّقوا بأسباب مفازتهم ، وال (مَقالِيدُ) : المفاتيح ؛ وقاله
__________________
(١) أخرجه الطبري في (٥ / ١٧٨) برقم : (١٣١٨٩) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٣ / ٣٨٩) برقم :
(١٥٠٢) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ١٩) برقم : (٣٠١٩٥) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٨٥) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٣٨)