له : ما هذا؟ فقال : أخاف هذه الآية (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (١).
وقوله تعالى : (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا ...) الآية ، قال الزّجّاج (٢) : التّخويل العطاء عن غير مجازاة ، والنّعمة هنا عامّة في المال وغيره ، وتقوى الإشارة إلى المال بقوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) قال قتادة : يريد إنما أوتيته على علم منّي بوجه المكاسب والتّجارات (٣) ، ويحتمل أن يريد : على علم من الله فيّ واستحقاق حزنه عند الله ، ففي هذا التأويل اغترار بالله ، وفي الأول إعجاب بالنّفس ، ثم قال تعالى : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي : ليس الأمر كما قال ؛ بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء ، ثم أخبر تعالى عمّن سلف من الكفرة ؛ أنّهم قد قالوا هذه المقالة كقارون وغيره ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الأموال ، (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) المعاصرين لك ، يا محمّد ، (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا). قال أبو حيّان : (فَما أَغْنى) يحتمل أن تكون «ما» نافية أو استفهامية فيها معنى النّفي ، انتهى.
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)(٥٤)
وقوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ...) الآية ، هذه الآية عامّة في جميع النّاس إلى يوم القيامة ، فتوبة الكافر تمحو ذنبه ، وتوبة العاصي تمحو / ذنبه ؛ على ما تقدّم تفصيله ، واختلف في سبب نزول هذه الآية ، فقال عطاء بن يسار : نزلت في وحشيّ قاتل حمزة (٤) ، وقال ابن إسحاق وغيره : نزلت في قوم بمكّة آمنوا ، ولم يهاجروا وفتنتهم قريش ، فافتتنوا ، ثم ندموا وظنّوا أنهم لا توبة لهم ، [فنزلت] الآية فيهم ، منهم الوليد بن الوليد وهشام بن العاصي (٥) ؛ وهذا قول عمر بن الخطّاب ، وأنه كتبها بيده إلى هشام بن العاصي ، الحديث ، وقالت فرقة : نزلت في قوم كفّار من أهل الجاهليّة ، قالوا : وما ينفعنا الإسلام ، ونحن قد زنينا وقتلنا النّفس ، وأتينا كلّ كبيرة ،
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٨٢) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٣٥)
(٢) ينظر : «معاني القرآن» (٤ / ٣٥٧)
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٣٦)
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ١٤) برقم : (٣٠١٧٦) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٨٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٣٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٢١) ، وعزاه لابن جرير عن عطاء بن يسار.
(٥) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٣٧) عن قتادة والسدي ، وابن أبي إسحاق.