وقوله سبحانه : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ...) الآية ، التقدير : الأمر / هذا ، ويحتمل أن يكون التقدير : هذا واقع أو نحوه ، و «الطغيان» هنا في الكفر.
وقوله تعالى : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) قرأ الجمهور : «غساق» ـ بتخفيف السين (١) ـ وهو اسم بمعنى السائل ، قال قتادة : الغساق : ما يسيل من صديد أهل النار (٢) ، قال ـ ص ـ : الغساق السّائل ، وعن أبي عبيدة أيضا : البارد المنتن بلغة التّرك (٣) ، انتهى ، قال الفخر (٤) : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) فيه وجهان : الأول على التقديم والتأخير ، والتقدير : هذا حميم وغساق أي : منه حميم وغساق ، انتهى ، * ت* : والوجه الثاني : أنّ الآية ليس فيها تقديم ولا تأخير وهو واضح ، وقرأ الجمهور (وَآخَرُ) بالإفراد ، ولهم عذاب آخر ، ومعنى (مِنْ شَكْلِهِ) أي : من مثله وضربه ، وقرأ أبو عمرو وحده : «وأخر» على الجمع (٥) ، و (أَزْواجٌ) معناه : أنواع ، والمعنى : لهم حميم وغساق ، وأغذية أخر من ضرب ما ذكر.
وقوله تعالى : (هذا فَوْجٌ) هو ممّا يقال لأهل النار ، إذا سيق عامّة الكفّار والأتباع إليها ؛ لأن رؤساءهم يدخلون النار أولا ، والأظهر أنّ قائل ذلك لهم ملائكة العذاب ، وهو الذي حكاه الثعلبيّ وغيره ، ويحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض ، فيقول البعض الأخر : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) أي ، لا سعة مكان ، ولا خير يلقونه.
وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) حكاية لقول الأتباع لرؤسائهم ، أي : أنتم قدّمتموه لنا بإغوائكم وأسلفتم لنا ما أوجب هذا ، قال العراقيّ : [الرجز]
__________________
(١) وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص بتشديد السين.
ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥١٠) ، و «السبعة» (٥٥٥) ، و «الحجة» (٦ / ٧٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٣٠) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٩٣) ، و «العنوان» (١٦٣) ، و «حجة القراءات» (٦١٥) ، و «شرح شعلة» (٥٦٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٢٣)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٩٨) برقم : (٢٩٩٩٠) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٦٧) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥١٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٩٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة ، ولابن أبي شيبة ، وهناد ، وعبد بن حميد عن أبي رزين ، ولهناد عن عطية.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٦٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٩٤) ، وعزاه لابن جرير عن عبد الله بن بريدة.
(٤) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (٢٦ / ١٩٢)
(٥) ينظر : «السبعة» (٥٥٥) ، و «الحجة» (٦ / ٧٨) ، و «معاني القراءات» (٥ / ١٩٣) ، و «العنوان» (١٦٣) ، و «حجة القراءات» (٦١٥) ، و «شرح شعلة» (٥٦٦) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٢٣)