(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠) وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ)(٤٨)
وقوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ ...) الآية ، كان لسليمان كرسيّ فيه جنوده ، وتأتي / عليه الريح الإعصار ، فتنقله من الأرض حتى يحصل في الهواء ، ثم تتولّاه الرخاء ؛ وهي اللّيّنة القويّة لا تأتي فيها دفع مفرطة فتحمله ؛ غدوّها شهر ورواحها شهر ، و (حَيْثُ أَصابَ) : معناه : حيث أراد ؛ قاله وهب وغيره (١) ، قال* ع (٢) * : ويشبه أنّ (أصاب) معدّى «صاب يصوب» ، أي : حيث وجّه جنوده ، وقال الزّجاج (٣) : معناه : قصد ، قلت : وعليه اقتصر أبو حيّان ؛ فإنه قال : أصاب : أي قصد ؛ وأنشد الثعلبيّ : [المتقارب]
أصاب الكلام فلم يستطع |
|
فأخطا الجواب لدى المفصل (٤) |
انتهى.
وقوله : (كُلَّ بَنَّاءٍ) بدل من (الشَّياطِينَ) و (مُقَرَّنِينَ) معناه : موثقين ؛ قد قرن بعضهم ببعض ، و (الْأَصْفادِ) القيود والأغلال ، قال الحسن : والإشارة بقوله : (هذا عَطاؤُنا ...) الآية ، إلى جميع ما أعطاه الله سبحانه من الملك (٥) ؛ وأمره بأن يمنّ على من يشاء ويمسك عمّن يشاء ، فكأنه وقفه على قدر النعمة ، ثم أباح له التصرّف فيه بمشيئته ؛ وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية ، وتقدّمت قصة أيّوب في سورة الأنبياء.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٨٤) برقم : (٢٩٩١٧) عن ابن عبّاس ، وبرقم : (٢٩٩١٩) عن مجاهد ، وبرقم : (٢٩٩٢٠) عن الحسن ، و (٢٩٩٢٣) عن وهب بن منبه ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٦٥) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٨٧) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة ، ولابن المنذر عن الضحاك.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٠٦)
(٣) ينظر : «معاني القرآن» (٤ / ٣٣٣)
(٤) ينظر : البيت في «البحر المحيط» (٧ / ٣٨٢) ، و «الدر المصون» (٥ / ٥٣٦) والقرطبي (١٥ / ١٣٤)
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٨٥) برقم : (٢٩٩٢٩) عن الحسن ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٨٨) ، وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.