في الحقوق التي في المال سوى الزكاة (١) ، وهي ما ندبت إليه الشريعة من المواساة ، وهذا هو الأصحّ في هذه الآية ؛ لأن السورة مكية وفرض الزكاة وبيانها إنما كان بالمدينة ، وباقي الآية تقدّم تفسير نظيره.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)(٣٥)
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) جمع الأمانة من حيث إنّها متنوعة في الأموال والأسرار ، وفيما بين العبد وربّه ، فيما أمره به ونهاه عنه ، والعهد كلّ ما تقلّده الإنسان من قول أو فعل ، أو مودّة ، إذا كانت هذه الأشياء على منهاج الشريعة فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه.
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) معناه في قول جماعة من المفسرين : أنهم يحفظون ما يشهدون فيه ، ويتقنونه ، ويقومون بمعانيه ؛ حتى لا يكون لهم فيه تقصير وهذا هو وصف من يمتثل قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «على مثل الشمس فاشهد» ، وقال آخرون : معناه : الذين إذا كانت عندهم شهادة ورأوا حقا يدرس أو حرمة لله تنتهك ؛ قاموا لله بشهادتهم.
(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ)(٣٧)
وقوله تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) الآية نزلت بسبب / أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يصلي عند الكعبة أحيانا ويقرأ القرآن ، فكان كثير من الكفّار يقومون من مجالسهم مسرعين إليه يستمعون قراءته ، ويقول بعضهم لبعض : شاعر وكاهن ، ومفتر وغير ذلك ، و (قِبَلَكَ) معناه فيما يليك ، والمهطع الذي يمشي مسرعا إلى شيء قد أقبل ببصره عليه ، و (عِزِينَ) جمع عزة ، والعزة : الجمع اليسير كأنّهم كانوا ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ، وفي حديث أبي هريرة قال : «خرج النبي صلىاللهعليهوسلم على أصحابه وهم حلق متفرقون ، فقال : مالي أراكم عزين» (٢).
(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٣٦) ، رقم : (٣٤٩١٨) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٦٨)
(٢) أخرجه مسلم (١ / ٣٢٢) ، كتاب «الصلاة» باب : الأمر بالسكون في الصلاة ، حديث (١١٩ / ٤٣٠) ، وأبو داود (٥ / ١٦٣) ، كتاب «الأدب» باب : في التحلق ، حديث (٤٨٢٣) ، وأحمد (٥ / ٩٣)