في صوته / جهارة فلما نزلت هذه الآية اهتمّ وخاف على نفسه ، وجلس في بيته لم يخرج ، وهو كئيب حزين حتى عرف النبيّ صلىاللهعليهوسلم خبره فبعث إليه ، فآنسه ، وقال له : «امش في الأرض بسطا ؛ فإنّك من أهل الجنّة» ، وقال له مرّة : «أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتموت شهيدا؟» (١) فعاش كذلك ، ثم قتل شهيدا باليمامة يوم مسيلمة.
* ت* : وحديث ثابت بن قيس وتبشيره بالجنة خرّجه البخاريّ ، وكذلك حديث أبي بكر وعمر وارتفاع أصواتهما خرّجه البخاريّ أيضا ، انتهى.
وقوله : (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي : كحال أحدكم في جفائه ، فلا تنادوه باسمه : يا محمّد ، يا أحمد ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (٢) ، فأمرهم الله بتوقيره ، وأن يدعوه بالنبوّة والرسالة ، والكلام اللّيّن ، وكره العلماء رفع الصوت عند قبر النبي صلىاللهعليهوسلم وبحضرة العالم وفي المساجد ، وفي هذه كلها آثار ؛ قال ابن العربيّ في «أحكامه» (٣) : وحرمة النبي صلىاللهعليهوسلم ميّتا كحرمته حيّا ، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ، فإذا قرىء كلامه وجب على كلّ حاضر ألّا يرفع صوته عليه ، ولا يعرض عنه ، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفّظه به ، وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) [الأعراف : ٢٠٤] وكلام النبي صلىاللهعليهوسلم هو من الوحي ، وله من الحرمة مثل ما للقرآن ، انتهى.
وقوله تعالى : (أَنْ تَحْبَطَ) مفعول من أجله ، أي : مخافة أن تحبط ، ثم مدح سبحانه الذين يغضّون / أصواتهم عند رسول الله ، وغضّ الصوت خفضه وكسره ، وكذلك البصر ، وروي : أنّ أبا بكر وعمر كانا بعد ذلك لا يكلّمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا كأخي السّرار ، وأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يحتاج مع عمر بعد ذلك إلى استعادة اللفظ ؛ لأنّه كان لا يسمعه من إخفائه إيّاه (٤) ، و (امْتَحَنَ) معناه : اختبر وطهّر كما يمتحن الذهب بالنار ، فيسّرها وهيّأها للتقوى ، وقال عمر بن الخطاب : امتحنها للتقوى : أذهب عنها الشهوات (٥).
__________________
(١) أخرجه الحاكم (٣ / ٢٣٤) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ١٤٥)
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٤ / ١٧١٤ ـ ١٧١٥)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٣٨٠) برقم : (٣١٦٧٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٢١٠) ، وابن عطية (٥ / ١٤٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٨٦) ، وعزاه للبزار ، وابن عدي ، والحاكم ، وابن مردويه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ١٤٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٨٩) ، وعزاه لأحمد في «الزهد» عن مجاهد.