وقوله تعالى : (عَرَّفَها لَهُمْ) قال أبو سعيد الخدريّ ، وقتادة ، ومجاهد (١) : معناه : بيّنها لهم ، أي : جعلهم يعرفون منازلهم منها ، وفي نحو هذا المعنى قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لأحدكم بمنزله في الجنّة أعرف منه بمنزلة في الدّنيا» (٢) قال القرطبيّ في «التذكرة» : وعلى هذا القول أكثر المفسّرين قال : وقيل : إنّ هذا التعريف إلى المنازل هو بالدليل ، وهو الملك الموكّل بعمل العبد ، يمشي بين يديه ، ، انتهى ، وقالت فرقة : معناه : سمّاها لهم ، ورسمها كلّ منزل باسم صاحبه ، فهذا نحو من التعريف ، وقالت فرقة : معناه / شرّفها لهم ورفعها وعلّاها ، وهذا من الأعراف التي هي الجبال ، ومنه أعراف الخيل ، وقال مؤرّج وغيره : معناه : طيّبها ؛ مأخوذ من العرف ، ومنه طعام معرّف ، أي : مطيّب ، وعرّفت القدر : طيّبتها بالملح والتّابل ، قال أبو حيّان (٣) : «وأصلح بالهم» البال : الفكر ولا يثنّى ولا يجمع ، انتهى.
وقوله سبحانه : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) أي : دين الله (يَنْصُرْكُمْ) بخلق القوّة لكم وغير ذلك من المعاون ، (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) أي : في مواطن الحرب ، وقيل : على الصراط في القيامة.
وقوله : (فَتَعْساً لَهُمْ) معناه : عثارا وهلاكا لهم ، وهي لفظة تقال للعاثر ، إذا أريد به الشرّ ؛ قال ابن السّكّيت : التّعس : أن يخرّ على وجهه.
وقوله تعالى : (كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) يريد : القرآن (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) قال* ع (٤) * : ولا خلاف أنّ الكافر له حفظة يكتبون سيّئاته ، واختلف الناس في حسناتهم ، فقالت فرقة : هي ملغاة يثابون عليها بنعم الدنيا فقط ، وقالت فرقة : هي محصاة من أجل ثواب الدنيا ، ومن أجل أنّه قد يسلم فينضاف ذلك إلى حسناته في الإسلام ، وهذا أحد التأويلين في قوله صلىاللهعليهوسلم لحكيم بن حزام : «أسلمت على ما سلف لك من خير» (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٣٠٩ ـ ٣١٠) برقم : (٣١٣٦٠ ، ٣١٣٦٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١١١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣) ، وعزاه إلى عبد بن حميد عن مجاهد ، وقتادة.
(٢) أخرجه البخاري (١١ / ٤٠٣) كتاب «الرقاق» باب : القصاص يوم القيامة ، وهي الحاقة ، لأن فيها الثواب ، وحواقّ الأمور ، برقم : (٦٥٣٥)
(٣) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٧٠)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١١٢)
(٥) أخرجه البخاري (٤ / ٤٨٠) كتاب «البيوع» باب : شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه (٢٢٢٠) ، (٥ / ٢٠٠) كتاب «العتق» باب : عتق المشرك (٢٥٣٨) ، (٣ / ٣٥٤) كتاب «الزكاة» باب : من تصدق في الشرك ثم أسلم (١٤٣٦) ، (١٠ / ٤٣٨) كتاب «الأدب» باب : من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم ـ