وقوله تعالى : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قال قتادة والسّدّيّ : يعني الجنة (١) ، قال* ع (٢) * : ولا شكّ أنّ الجنة هي الغاية ، ورحمة الله في الدنيا بالهداية والإيمان خير من / كلّ مال ، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا ، وتزهيد فيها ، ثم استمرّ القول في تحقيرها بقوله سبحانه : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ...) الآية ؛ وذلك أنّ معنى الآية أنّ الله سبحانه أبقى على عباده ، وأنعم عليهم بمراعاة بقاء الخير والإيمان ، وشاء حفظه على طائفة منهم بقيّة الدهر ، ولو لا كراهية أن يكون الناس كفّارا كلّهم ، وأهل حبّ في الدنيا وتجرّد لها ـ لوسّع الله على الكفار غاية التوسعة ، ومكّنهم من الدنيا ؛ وذلك لحقارتها عنده سبحانه ، وأنها لا قدر لها ولا وزن ؛ لفنائها وذهاب رسومها ، فقوله : (أُمَّةً واحِدَةً) معناه في الكفر ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (٣) ، ومن هذا المعنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء» (٤) وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن علقمة عن عبد الله قال : «اضطجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حصير فأثّر الحصير في جنبه ، فلمّا استيقظ ، جعلت أمسح عنه ، وأقول : يا رسول الله ، ألا آذنتني قبل أن تنام على هذا الحصير ، فأبسط لك عليه شيئا يقيك منه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما لي وللدّنيا ، وما للدّنيا وما لي ما أنا والدّنيا إلّا كراكب استظلّ في فيء أو ظلّ شجرة ، ثمّ راح وتركها» (٥) انتهى ، وقد خرّجه التّرمذيّ ، وقال : حديث حسن صحيح ، و (سُقُفاً) جمع
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ١٨٤) برقم : (٣٠٨٤١ ـ ٣٠٨٤٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٢٢) ، وعزاه إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٥٣)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ١٨٤) برقم : (٣٠٨٤٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٣) ، وابن كثير (٤ / ١٢٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٢٢) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن ابن عبّاس ، ولعبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن قتادة ، وابن المنذر عن مجاهد.
(٤) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٦٠) كتاب «الزهد» باب : ما جاء في هوان الدنيا على الله عزوجل (٢٣٢٠) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٣ / ٢٥٣).
قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه.
(٥) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٨٨ ـ ٥٨٩) كتاب «الزهد» باب : (٤٤) (٢٣٧٧) ، وأحمد (١ / ٣٩١ ، ٤٤١) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٧٦) كتاب «الزهد» باب : مثل الدنيا (٤١٠٩) ، وأخرجه في «دلائل النبوة» (١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ٣١١) (١٠٤١٥) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٤ / ٢٣٤).
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
قال أبو نعيم : غريب من عمرو وإبراهيم ، تفرد به المسعودي ، ورواه المعافي بن عمران ، ووكيع بن الجراح ، ويزيد بن هارون عن المسعودي مثله ، وحدث به جرير عن الأعمش عن إبراهيم ، وهو غريب. ـ