وقوله : (فَرِيقٌ) مرتفع على خبر الابتداء المضمر ؛ كأنّه قال : هم فريق في الجنة ، وفريق في السّعير ، ثم قوّى تعالى تسلية نبيّه بأن عرّفه أنّ الأمر موقوف على مشيئة الله من إيمانهم أو كفرهم ، وأنّه لو أراد كونهم أمّة واحدة على دين واحد ، لجمعهم عليه ؛ ولكنّه سبحانه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته ، وييسّره في الدنيا لعمل أهل السعادة ، وأنّ الظالمين بالكفر الميسّرين لعمل الشقاوة ما لهم من ولي ولا نصير ، قال عبد الحقّ ـ رحمهالله ـ في «العاقبة» : وقد علمت (رحمك الله) أنّ الناس يوم القيامة صنفان :
صنف مقرّب مصان.
وآخر مبعد مهان.
صنف نصبت لهم الأسرّة والحجال ؛ والأرائك والكلال ؛ وجمعت لهم الرغائب والآمال.
وآخرون أعدّت لهم الأراقم والصلال ؛ والمقامع والأغلال ؛ وضروب الأهوال والأنكال ، وأنت لا تعلم من أيّهما أنت ؛ ولا في أيّ الفريقين كنت : [الكامل]
نزلوا بمكّة في قبائل نوفل |
|
ونزلت بالبيداء أبعد منزل |
وتقلّبوا فرحين تحت ظلالها |
|
وطرحت بالصّحراء غير مظلّل |
وسقوا من الصافي المعتق ريّهم |
|
وسقيت دمعة / واله متململ |
بكى سفيان الثوريّ ـ رحمهالله ـ ليلة إلى الصباح ، فقيل له : أبكاؤك هذا على الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض ، وقال : الذنوب أهون من هذا ؛ إنّما أبكي ؛ خوف الخاتمة ، وبكى سفيان ، وغير سفيان ، وإنّه للأمر يبكى عليه ؛ ويصرف الاهتمام كلّه إليه.
وقد قيل : لا تكفّ دمعك ؛ حتّى ترى في المعاد ربعك.
وقيل : يا ابن آدم ، الأقلام عليك تجري ؛ وأنت في غفلة لا تدري ، يا ابن آدم دع التنافس في هذه الدار ؛ حتى ترى ما فعلت في أمرك الأقدار ، سمع بعض الصالحين منشدا ينشد : [الطويل]
أيا راهبي نجران ما فعلت هند |
|
............... |
فبكى ليلة إلى الصباح ، فسئل عن ذلك فقال : قلت في نفسي : ما فعلت الأقدار فيّ ؛ وماذا جرت به عليّ؟ انتهى.