وقوله تعالى : (وَبارَكَ فِيها) أي : جعلها منبتّة للطّيّبات والأطعمة ، وجعلها طهورا إلى غير ذلك من وجوه البركة ، وفي قراءة ابن مسعود : «وقسّم فيها أقواتها» (١) واختلف في معنى قوله : (أَقْواتَها) فقال السّدّيّ : هي أقوات البشر وأرزاقهم ، وأضافها إلى الأرض ، من حيث هي فيها وعنها (٢) ، وقال قتادة : هي أقوات الأرض : من الجبال ، والأنهار ، والأشجار ، والصخور ، والمعادن ، والأشياء التي بها قوام الأرض ومصالحها (٣) ، وروى ابن عبّاس في هذا حديثا مرفوعا ، فشبّهها بالقوت الذي به قوام الحيوان ، وقال مجاهد أراد أقواتها من المطر والمياه ، وقال الضّحّاك وغيره : أراد بقوله : (أَقْواتَها) : خصائصها التي قسّمها في البلاد من الملبوس والمطعوم (٤) ، فجعل في بلد وفي قطر ما ليس في الآخر ، ليحتاج بعضهم إلى بعض ، ويتقوّت من هذه في هذه ، وهذا قريب من الأوّل.
وقوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) يريد : باليومين الأولين ، وقرأ الجمهور : «سواء» بالنصب على الحال (٥) ، أي : سواء هي وما انقضى فيها ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : «سواء» (٦) ـ بالرفع ـ ، أي : هي سواء ، وقرأ الحسن (٧) : «سواء» بالخفض على نعت الأيّام ، واختلف في معنى : «للسائلين» : فقال قتادة معناه : سوآء لمن سأل واستفهم / عن الأمر وحقيقة وقوعه ، وأراد العبرة فيه ، فإنّه يجده (٨) ، كما قال تعالى ، وقال ابن زيد وجماعة : معناه : مستو مهيّأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر ، فعبّر عنهم ب (السَّائِلِينَ) بمعنى «الطالبين» ؛ لأنّه من شأنهم ، ولا بدّ طلب ما ينتفعون به ، فهم في حكم من سأل هذه الأشياء ، إذ هم أهل حاجة إليها ، ولفظة «سواء» تجري مجرى عدل وزور ، في أن ترد على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث.
__________________
(١) ينظر : «الكشاف» (٤ / ١٨٨) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٦)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٨٩) برقم : (٣٠٤٣٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٦)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٨٩) برقم : (٣٠٤٣٨ ـ ٣٠٤٣٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٦)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٩٠) برقم : (٣٠٤٤٦) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٠٨) آية رقم : (١٠) ، وابن عطية (٥ / ٦)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٦) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٤٦٥) ، و «الدر المصون» (٦ / ٥٧)
(٦) وذكرت عن يعقوب.
ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٣٤) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٦) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٤٦٥)
(٧) وقرأ بها عيسى ، وابن أبي إسحاق ، وعمرو بن عبيد ، وزيد بن علي ، ويعقوب.
ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٦) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٤٦٥) ، و «الدر المصون» (٦ / ٧٥)
(٨) أخرجه الطبري (١١ / ٩١) برقم : (٣٠٤٤٨ ـ ٣٠٤٤٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٧٧) ، وعزاه إلى عبد الرزاق ، وعبد بن حميد.