وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) ، قيل : معناه : إن الله يعلم الذين تدعون من دونه من جميع الأشياء ، وقيل : ما نافية ؛ وفيه نظر ، وقيل : ما استفهامية ، قال جابر : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) : العالم : من عقل عن الله تعالى فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته.
وقوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي : لا للعبث واللعب ؛ بل ليدل على سلطانه ؛ وتثبيت شرائعه ، ويضع الدلالة لأهلها ويعم بالمنافع ؛ إلى غير ذلك مما لا يحصى عدا. ثم أمر تعالى نبيه عليهالسلام بالنفوذ لأمره ؛ وتلاوة القرآن الذي أوحي إليه ، وإقامة الصلاة ، أي : إدامتها ؛ والقيام بحدودها. ثم أخبر سبحانه حكما منه أن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر.
قال ع (١) : وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجب من الخشوع ، والإخبات (٢) وتذكر الله ، وتوهّم الوقوف بين يديه ، وإنّ قلبه وإخلاصه مطّلع عليه مرقوب صلحت لذلك نفسه ، وتذلّلت ، وخامرها ارتقاب الله تعالى ؛ فاطّرد ذلك في أقواله ، وأفعاله ، وانتهى عن الفحشاء والمنكر ، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى ؛ يرجع بها إلى أفضل حاله ؛ فهذا معنى هذا الإخبار ؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون ، وقد روي عن بعض السلف : أنه كان إذا أقام الصلاة ارتعد ، واصفر لونه ، فكلّم في ذلك ، فقال : إني أقف بين يدي الله تعالى.
قال ع (٣) : فهذه صلاة تنهى ـ ولا بد ـ عن الفحشاء / والمنكر ، وأما من كانت صلاته دائرة حول الإجزاء ، بلا تذكر ولا خشوع ، ولا فضائل ؛ فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان.
وقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال ابن عباس (٤) وأبو الدرداء (٥) وسلمان (٦) وابن
__________________
(١) ينظر : «المحرر» (٤ / ٣١٩)
(٢) أخبت لله : خشع. وأخبت إلى ربه أي اطمأن إليه. والإخبات : الخشوع والتواضع.
ينظر : «لسان العرب» ١٠٨٧.
(٣) ينظر : «المحرر» (٤ / ٣١٩)
(٤) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٤٦) رقم (٢٧٧٩٠) ، وذكره البغوي (٣ / ٤٦٩) ، وابن عطية (٤ / ٣٢٠) ، وابن كثير (٣ / ٤١٥) ، والسيوطي (٥ / ٢٨٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٥) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٤٧) رقم (٢٧٨٠١) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٢٠) ، وابن كثير (٣ / ٤١٥) ، والسيوطي (٥ / ٢٨١) ، بنحوه ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير عن أبي الدرداء.
(٦) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٤٧) رقم (٢٧٨٠٢) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٢٠) ، وابن كثير (٣ / ٤١٥)