وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أم : معادلة للهمزة ؛ في قوله : (أَحَسِبَ) [العنكبوت : ٢] وكأنه تعالى قرر الفريقين : قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون ، وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات ؛ في تعذيب المؤمنين ؛ وغير ذلك على ظنهم ؛ أنهم يسبقون عقاب الله تعالى ؛ ويعجزونه ، ثم الآية بعد تعمّ كلّ عاص ، وعامل سيئة من المسلمين ؛ وغيرهم ، وفي الآية وعيد شديد للكفرة الفاتنين ، وفي قوله تعالى : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) تثبيت للمؤمنين ، وباقي الآية بيّن ، والله الموفق.
وقال ص : قول ع (١) : أم : معادلة للألف في قوله : (أَحَسِبَ) يقتضي أنها هنا متصلة ؛ وليس كذلك ؛ بل «أم» هنا : منقطعة مقدرة ب «بل» ؛ للإضراب ، بمعنى : الانتقال ؛ لا بمعنى الإبطال ، وهمزة الاستفهام ؛ للتقرير والتوبيخ ؛ فلا تقتضي جوابا ، انتهى.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ). إخبار عن المؤمنين المهاجرين الذين هم في أعلى رتبة من البدار إلى الله تعالى ؛ نوه بهم ـ عزوجل ـ وبحالهم ؛ ليقيم نفوس المتخلفين عن الهجرة ؛ وهم الذين فتنهم الكفار.
(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ) ، أي : ثواب أحسن الذي كانوا يعملون.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) (١١)
وقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) روي عن قتادة (٢) وغيره : أنها نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص ؛ وذلك أنه هاجر ؛ فحلفت أمه أن لا تستظلّ بظلّ حتى يرجع إليها ؛ ويكفر بمحمد ، فلجّ هو في هجرته ، ونزلت الآية.
وقيل : بل نزلت في عياش بن أبي ربيعة ؛ وكانت قصته كهذه ثم خدعه أبو جهل ؛
__________________
(١) ينظر : «المحرر» (٤ / ٣٠٦)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٢٤) رقم (٢٧٧٠١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٠٧) ، والسيوطي (٥ / ٢٧٠) بنحوه ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة.