حسن صحيح ؛ انتهى.
والجمهور أن الداعي لموسى ـ عليهالسلام ـ هو شعيب عليهالسلام وأن المرأتين ابنتاه ، ف (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ...) الآية ، فقام يتبعها فهبّت ريح ضمّت قميصها إلى بدنها فتحرّج موسى عليهالسلام من النظر إليها ؛ فقال لها : امشي خلفي وأرشديني إلى الطريق ، ففهمت عنه ؛ فذلك سبب وصفها له بالأمانة ؛ قاله ابن عباس (١). (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) فآنسه بقوله : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فلما فرغ كلامهما قالت إحدى الابنتين (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقال لها أبوها : ومن أين عرفت هذا منه؟ قالت : أمّا قوته ففي رفع الصخرة ، وأمّا أمانته ففي تحرّجه عن النّظر إليّ ؛ قاله ابن عباس (٢) وقتادة وابن زيد وغيرهم ، فقال له الأب عند ذلك : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ ...) الآية ، قال ابن العربيّ : في «أحكامه» (٣) قوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) يدلّ على أنه عرض لا عقد ؛ لأنه لو كان عقدا ، لعيّن المعقود عليها ؛ لأن العلماء وإن اختلفوا في جواز البيع ، إذا قال له : بعتك أحد عبديّ هذين بثمن كذا ، فإنهم اتّفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح ؛ لأنه خيار وشيء من الخيار لا يلحق بالنّكاح (٤). وروي أنه قال شعيب : أيّتهما تريد؟ قال : الصغرى ، انتهى. «وتأجر» معناه : تثيب وجعل شعيب الثمانية الأعوام شرطا ووكل العامين إلى المروءة ، ولما فرغ كلام شعيب قرّره موسى ؛ وكرّر معناه على جهة التوثّق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج ، و (أَيَّمَا) استفهام نصب ب (قَضَيْتُ) و «ما» صلة للتّأكيد و «لا عدوان» لا تباعة عليّ ، و «الوكيل» : الشاهد القائم بالأمر.
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٦١) رقم (٢٧٣٧٦) ، (٢٧٣٧٨) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٨٤) ، وابن كثير (٣ / ٣٨٥) بنحوه.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٦١) رقم (٢٧٣٧٦) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥) ، وابن كثير (٣ / ٣٨٥)
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٤٦٩)
(٤) لا يدخل الخيار شرعا إلا عقود المعاوضات اللازمة القابلة للفسخ بتراضي العاقدين ، فغير المعاوضات كالصدقة والهبة بلا ثواب لا يدخلها أي نوع من أنواع الخيار ؛ لأنها شرعت لدفع الضرر ، وهذه العقود نفع محض ، لعدم المقابل فيها ، وأما اشتراط اللزوم ، فلأن المعاوضات الجائزة كالشركة والوكالة لكل من العاقدين أن يفسخها متى شاء بمتقضى العقد ذاته ، فليست هناك من حاجة تدعو إلى إثبات الخيار فيها ، وهو لم يشرع إلا تحت ضغط الحاجة. وأما اشتراط كونها قابلة للفسخ برضا الطرفين ، كالبيع ، والهبة بثواب ، والصلح على مال ، فلأنها لو لم تكن قابلة للفسخ بتراضيهما كالنكاح ، والخلع ، لكان اشتراط الخيار فيها أو ثبوته في أحوال مخصوصة مخالفا لمقتضاها ، لأن الخيار يستلزم جواز الفسخ ، وهي لا تقبله.