وقوله : (عالِمِ الْغَيْبِ) المعنى : هو عالم الغيب ، وقرأ أبو عمرو (١) وغيره : «عالم» بالجر ؛ اتباعا للمكتوبة.
وقوله سبحانه : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ* رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أمر الله تعالى نبيّه ـ عليهالسلام ـ أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك ، و «إن» شرطية و «ما» زائدة و «تريني» جزم بالشرط لزمته النون الثقيلة وهي لا تفارق ، «إمّا» عند المبرّد ، ويجوز عند سيبويه أن تفارق ، ولكن استعمال القرآن لزومها ، فمن هنالك ألزمه المبرد ، وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله ، ثم نظيره لسائر الأمّة دعاء في حسن الخاتمة ، وقوله ثانيا : «رب» اعتراض بين الشرط وجوابه.
وقوله سبحانه : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أمر بالصفح ومكارم الأخلاق ، وما كان منها لهذا فهو محكم باق في الأمّة أبدا ، وما كان بمعنى الموادعة فمنسوخ بآية القتال.
وقوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) يقتضي أنّها آية موادعة.
وقال مجاهد (٢) : الدفع بالتي هي أحسن : هو السلام ، تسلّم عليه إذا لقيته.
وقال الحسن (٣) : والله لا يصيبها / أحد حتّى يكظم غيظه ، ويصفح عمّا يكره ، وفي ٣٣ ب الآية عدة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أي : اشتغل أنت بهذا وكل أمرهم إلينا ، ثم أمره سبحانه بالتّعوّذ من همزات الشياطين ، وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه ؛ وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفّار فتقع المجادلة ، ولذلك اتّصلت بهذه الآية ، وقال ابن زيد : همز الشيطان : الجنون (٤) ، وفي «مصنّف أبي داود» : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اللهم إنّي أعوذ بك من الشيطان : همزه ، ونفخه ، ونفثه» (٥). قال أبو داود : همزه : الموتة ، ونفخه :
__________________
(١) وقرأ بها ابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم.
ينظر : «السبعة» (٤٤٧) ، و «الحجة» (٥ / ٣٠١) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٩٤) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٩٥) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٧٩) ، و «شرح شعلة» (٥٠٩) و «حجة القراءات» (٤٩١) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٨٧)
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٤١) رقم (٢٥٦٤٥) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٥٥)
(٣) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٤١) رقم (٢٥٦٤٧) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٥٥)
(٤) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٤٢) برقم (٢٥٦٤٨) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٥٥) ، والسيوطي (٥ / ٢٨) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن زيد.
(٥) أخرجه أبو داود (١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣) كتاب الصلاة : باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء ، حديث (٧٦٤) ، وابن ماجه (١ / ٢٦٥) كتاب الصلاة : باب الاستعاذة في الصلاة ، حديث (٨٠٧) ، وأحمد (٤ / ٨٥) من حديث جبير بن مطعم.