أنّهم قوم ثمود.
وقوله : (بِالْحَقِ) أي : بما استحقوا بأفعالهم وبما حقّ منّا في عقوبتهم ، والغثاء : ما يحمله السيل من زبده الذي لا ينتفع به ، فيشبّه كلّ هامد وتالف بذلك.
قال أبو حيان (١) : «وبعدا» منصوب بفعل محذوف ، أي : بعدوا بعدا ، أي : هلكوا ، انتهى ، ثم أخبر سبحانه : إنّه أنشأ بعد هؤلاء أمما كثيرة ، كلّ أمّة بأجل ، وفي كتاب لا تتعداه في وجودها وعند موتها ، وتترى : مصدر من تواتر الشيء.
وقوله سبحانه : (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) أي : في الإهلاك.
وقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) يريد أحاديث مثل ، وقلّما يستعمل الجعل حديثا إلّا في الشر ، و (عالِينَ) / معناه : قاصدين للعلوّ بالظلم ، وقولهم : (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) معناه : خادمون متذللون ، والطريق المعبّد المذلّل ، و (مِنَ الْمُهْلَكِينَ) : يريد بالغرق.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٥٠)
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني : التوراة ، و (لَعَلَّهُمْ) يريد : بني إسرائيل ؛ لأنّ التوراة إنّما نزلت بعد هلاك فرعون والقبط ، والربوة : المرتفع من الأرض ، والقرار : التمكّن ، وبيّن أنّ ماء هذه الربوة يرى معينا جاريا على وجه الأرض ؛ قاله ابن عباس (٢) ، والمعين : الظاهر الجري للعين ، فالميم زائدة ، وهو الذي يعاين جريه ، لا كالبئر ونحوه ، ويحتمل أن يكون من قولهم : معن الماء إذا كثر ، وهذه الربوة هي الموضع الذي فرّت إليه مريم وقت وضع عيسى عليهالسلام هذا قول بعض المفسرين ، واختلف الناس في موضع الربوة ، فقال ابن المسيّب (٣) : هي الغوطة بدمشق وهذا أشهر الأقوال ؛ لأنّ صفة الغوطة أنّها ذات قرار ومعين على الكمال.
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٦ / ٣٧٥)
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢١٩) (٢٥٥٢٣) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٤٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٢٤٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ١٧) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢١٨) (٢٥٥١٤) ، وذكره البغوي (٣ / ٣١٠) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٤٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٢٤٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ١٨). وعزاه لعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن سعيد بن المسيب.