قلت : وهو ظاهر ترتيب قصص القرآن أنّ عادا أقدم ، (وَأَتْرَفْناهُمْ) معناه نعّمناهم ، وبسطنا لهم الأموال والأرزاق وقولهم : (أَيَعِدُكُمْ) استفهام على جهة الاستبعاد و (أَنَّكُمْ) : الثانية بدل من الأولى عند سيبويه ، وقولهم : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) استبعاد ، وهيهات أحيانا تلي الفاعل دون لام ، تقول هيهات مجيء زيد ، أي : بعد ذلك ، ومنه قول جرير : [الطويل] :
فهيهات هيهات العقيق ومن به |
|
وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (١) |
وأحيانا يكون الفاعل محذوفا ، وذلك عند وجود اللام كهذه الآية ، التقدير : بعد الوجود ؛ لما توعدون.
قال ص : وردّ بأنّ فيه حذف الفاعل ، وحذف المصدر وهو الوجود وذلك غير جائز عند البصريين ، وذكر أبو البقاء : أنّ اللام زائدة و «ما» فاعل ، أي : بعد ما توعدون.
قال أبو حيان (٢) : وهذا تفسير معنى لا إعراب ؛ لأنّه لم تثبت مصدريّة «هيهات» ، انتهى. وقولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أرادوا : أنّه لا وجود لنا غير هذا الوجود ؛ وإنّما نموت منّا طائفة فتذهب ، وتجيء طائفة جديدة ، وهذا هو كفر الدّهريّة.
(قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) (٤٨)
وقوله : (قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) المعنى : قال الله لهذا النّبيّ الدّاعي : عمّا قليل يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم ، ومن ذكر الصيحة ذهب الطبريّ (٣) إلى
__________________
(١) البيت لجرير في «ديوانه» ص ٩٦٥ ؛ و «الأشباه والنظائر» (٨ / ١٣٣) ، و «الخصائص» (٣ / ٤٢) ، و «الدرر» (٥ / ٣٢٤) ، و «شرح التصريح» (١ / ٣١٨) ، (٢ / ١٩٩) ، و «شرح شواهد الإيضاح» ص ١٤٣ ، و «شرح المفصل» (٤ / ٣٥) ، و «لسان العرب» (١٣ / ٥٥٣) (هيه) ، و «المقاصد النحويّة» (٣ / ٧) ، (٤ / ٣١١) ، وبلا نسبة في «أوضح المسالك» (٢ / ١٩٣) ، (٤ / ٨٧) ، و «سمط اللآلي» ص ٣٦٩ ، و «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي ص ١٠٠١.
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٦ / ٣٧٤)
(٣) ينظر : «الطبريّ» (٩ / ٢١٢)