أن يقول لهم على جهة الوعيد والتقريع : (أَفَأُنَبِّئُكُمْ) أي : أخبركم. (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) : والإشارة بذلكم إلى السطو ، ثم ابتدأ بخبر ؛ كأن قائلا قال له : وما هو؟ قال : (النَّارُ) (١) أي : نار جهنم.
وقوله : (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يحتمل أن يكون أراد : أنّ الله تعالى وعدهم بالنار ، فيكون الوعد في الشر ، ويحتمل أنّه أراد : أنّ الله سبحانه وعد النار (٢) بأن يطعمها الكفّار ، فيكون الوعد على بابه ، إذ الذي يقتضي قولها : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] ونحو ذلك ، أنّ ذلك من مسارّها.
قلت : والظاهر الأوّل.
وقوله سبحانه : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ...) الآية : ذكر تعالى أمر سالب الذباب ، وذلك أنهم كانوا يضمخون (٣) أوثانهم بأنواع الطيب فكان الذباب يتسلط ويذهب بذلك الطيب ، وكانوا يتألّمون من ذلك ، فجعلت مثلا ، واختلف المتأوّلون في قوله تعالى : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) فقالت فرقة : أراد بالطالب : الأصنام ، وبالمطلوب : الذباب ، أي : أنهم ينبغي أن يكونوا طالبين لما يسلب من طيبهم على معهود الأنفة في الحيوان ، وقيل : معناه : ضعف الكفّار في طلبهم الصواب والفضيلة من جهة الأصنام ، وضعف الأصنام في إعطاء ذلك وإنالته.
قال ع (٤) : ويحتمل أن يريد : ضعف الطالب وهو الذباب في استلابه ما على الأصنام ، وضعف الأصنام في أن لا منعة لهم ، وبالجملة فدلتهم الآية على أنّ الأصنام في أحطّ رتبة ، وأخسّ منزلة لو كانوا يعقلون. و (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) المعنى : ما وفّوه حقّه سبحانه من التعظيم والتوحيد.
(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧)
__________________
(١) في ج : النار ، فيكون الوعد في الشر.
(٢) في ج : الناس.
(٣) الضمخ : لطخ الجسد بالطّيب حتى كأنما يقطر.
ينظر : «لسان العرب» (٢٦٠٥)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٣٤)