الأشهر الحرم ؛ فأبى المؤمنون من قتالهم ، وأبى المشركون إلّا القتال ، فلمّا اقتتلوا ، جدّ المؤمنون ونصرهم الله تعالى ؛ فنزلت الآية فيهم (١) ، وجعل تقصير الليل وزيادة النهار وعكسهما إيلاجا ؛ تجوّزا وتشبيها ، وباقي الآية بيّن.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٦٤)
وقوله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) قوله : (فَتُصْبِحُ) عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء ؛ وروي عن عكرمة أنه قال : هذا لا يكون إلّا ب «مكّة» (٢) و «تهامة».
[قال ع (٣) : ومعنى هذا أنه أخذ قوله : (فَتُصْبِحُ) مقصودا به صباح ليلة المطر ، وذهب إلى أنّ ذلك الاخضرار في سائر البلاد يتأخر] (٤).
قال ع (٥) : وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى ، نزل المطر ليلا بعد قحط ، وأصبحت تلك الأرض الرملة التي تسفيها الرياح قد اخضرّت بنبات ضعيف دقيق.
قلت : وقد شاهدت أنا ذلك بصحراء سواكن بالمشرق ، وهي في حكم مكة إلّا أنّ البحر قد حال بينهما ؛ وذلك أنّ التعدية من جدة إلى «سواكن» مقدار يومين في البحر أو أقلّ بالريح المعتدلة ، وكان ذلك في أوّل الخريف ، وأجرى الله العادة أنّ أمطار تلك البلاد تكون بالخريف فقط ، هذا هو الغالب ، ولمّا شاهدت ذلك تذكرت هذه الآية / الكريمة ، ٢٨ أفسبحان الله ما أعظم قدرته! واللطيف : المحكم للأمور برفق.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) (٦٧)
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٤ / ١٣١)
(٢) ذكره ابن عطية (٤ / ١٣١)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٣١)
(٤) سقط في ج.
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٣١)