ت وأظهر هذه التأويلات عندي تأويل عطاء ، وفي الثالث بعض تكلّف ، ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل أمّة من الأمم المؤمنة منسكا ، أي : موضع نسك وعبادة ، هذا على أنّ المنسك ظرف ، ويحتمل أن يريد به المصدر كأنه قال : عبادة ، والناسك العابد.
وقال مجاهد (١) : سنّة في هراقة دماء الذبائح.
وقوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله ، وأن يكون الذبح له ؛ لأنّه رازق ذلك ، وقوله : (فَلَهُ أَسْلِمُوا) أي : آمنوا ، ويحتمل أن يريد استسلموا ، ثم أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يبشّر بشارة على الإطلاق ، وهي أبلغ من المفسرة ؛ لأنها مرسلة مع نهاية التخيل للمخبتين المتواضعين الخاشعين المؤمنين ، والخبت ما انخفض من الأرض ، والمخبت المتواضع الذي مشيه متطامن كأنه في حدور من الأرض ، وقال عمرو بن أوس (٢) : المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.
قال ع (٣) : وهذا مثال شريف من خلق المؤمن الهيّن الليّن ، وقال مجاهد : هم المطمئنون بأمر الله تعالى ، ووصفهم سبحانه بالخوف والوجل عند ذكر الله تعالى ، وذلك لقوّة يقينهم ومراقبتهم لربهم ، وكأنهم بين يديه جلّ وعلا ، ووصفهم بالصبر وبإقامة الصلاة وإدامتها ، وروي : أنّ هذه الآية قوله : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) نزلت في أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ (رضي الله عنهم أجمعين).
(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣٦)
وقوله سبحانه : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) البدن : جمع بدنة ، وهي ما أشعر من ناقة أو بقرة ؛ قاله عطاء وغيره (٤) ، وسمّيت بذلك ؛ لأنها تبدن ، أي : تسمن.
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ١٥٠) برقم (٢٥١٧١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٢١) والسيوطي (٤ / ٦٤٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ١٥١) برقم (٢٥١٧٧) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٢٢) ، وابن كثير (٣ / ٢٢١) والسيوطي (٤ / ٦٤٩) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا في «ذم الغضب» ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن عمرو بن أوس.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٢٣)
(٤) أخرجه الطبريّ (٩ / ١٥٢) برقم (٢٥١٨٠) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٢٢) ، وابن كثير (٣ / ٢٢١)