ت : وهذه التأويلات متّفقات في المعنى ، وقد ورد أنّ أوّل ما يقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء ، ومن المعلوم أنّ أوّل مبارزة وقعت في الإسلام مبارزة عليّ وأصحابه ، فلا جرم كانت أوّل خصومة وحكومة يوم القيامة ؛ وفي «صحيح مسلم» عنه صلىاللهعليهوسلم : «نحن الآخرون من أهل الدّنيا ، والأوّلون يوم القيامة ؛ المقضيّ لهم قبل الخلائق» وفي رواية : «المقضيّ بينهم» (١).
وقوله : (فِي رَبِّهِمْ) أي : في شأن ربهم وصفاته وتوحيده ، ويحتمل في رضى ربهم وفي ذاته.
وقال ص : (فِي رَبِّهِمْ) أي : في دين ربهم ، انتهى ، ثم بيّن سبحانه حكم الفريقين ، فتوعّد تعالى الكفّار بعذابه الأليم ، و (قُطِّعَتْ) معناه جعلت لهم بتقدير كما يفصّل الثوب ، وروي : أنّها من نحاس ، و (يُصْهَرُ) معناه : يذاب ، وقيل : معناه : ينضج ؛ قيل : إن الحميم بحرارته يهبط كلّ ما في الجوف ويكشطه ، ويسلته ، وقد روى أبو هريرة نحوه عن النّبي صلىاللهعليهوسلم : «أنّه يسلته ، ويبلغ به قدميه ، ويذيبه ثمّ يعاد كما كان» (٢).
وقوله سبحانه : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) روي فيه : أنّ لهب النار إذا ارتفع رفعهم ؛ فيصلون إلى أبواب النار ، فيريدون الخروج ، فتردهم الزبانية بمقامع الحديد ، وهي المقارع (٣).
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) (٢٤)
وقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ ...) الآية معادلة لقوله : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ١٩] واللؤلؤ : الجوهر ، وأخبر سبحانه : بأنّ لباسهم فيها حرير ؛ لأنّه من أكمل حالات الدنيا ؛ قال ابن عباس (٤) : لا تشبه أمور الآخرة أمور الدنيا إلّا في الأسماء فقط ، وأمّا الصفات فمتباينة ، والطيّب من القول : لا إله إلا الله وما
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم في سورة الكهف.
(٣) المقرعة : خشبة تضرب بها البغال والحمير. وقيل : كل ما قرع به فهو مقرعة.
ينظر : «لسان العرب» (٣٥٩٥)
(٤) ذكره ابن عطية (٤ / ١١٥)