قلت : ولو صحّ هذا النقل ، لم يبق مجملا وروي أن الله عزوجل لما والى عليهم المطر ، غرقت أرضهم ، وامتنعوا من الزراعة قالوا : يا موسى ادع لنا ربك في كشف هذا الغرق ، ونحن نؤمن ، فدعا ، فكشفه الله عنهم ، فأنبتت الأرض إنباتا حسنا ، فنكثوا ، وقالوا : ما نودّ أنّا لم نمطر ، وما هذا إلا إحسان من الله إلينا ، فبعث الله عليهم حينئذ الجراد ، فأكل جميع ما أنبتت الأرض ، فروى ابن وهب ، عن مالك ؛ أنه أكل حتى أبوابهم ، وأكل الحديد والمسامير ، وضيّق عليهم غاية التضييق ، وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرّمق (١) ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربّك في كشف الجراد ، ونحن نؤمن ، فدعا الله فكشفه (٢) ، ورجعوا إلى كفرهم ، فبعث الله عليه القمّل ، وهي الدّبى صغار الجراد ، الذي يثب ولا يطير ؛ قاله ابن عباس (٣) وغيره ، وقرأ الحسن : «القمل» (٤) ـ بفتح القاف ، وسكون الميم ـ فهي على هذا القمل المعروف ، وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل (٥) ، فضربه ، فانتشر كلّه قمّلا في مصر ، ثم إنهم قالوا : ادع في كشف هذا ، فدعا فرجعوا إلى طغيانهم ، وكفرهم ، فبعث الله عليهم الضّفادع ، فكانت تدخل في فرشهم ، وبين ثيابهم ، وإذا همّ الرجل أن يتكلّم ، وثب ضفدع في فمه.
قال ابن جبير : كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع (٦).
وقال ابن عبّاس : لما أرسلت الضفادع عليهم ، وكانت برّيّة ، سمعت وأطاعت ، فجعلت تقذف أنفسها في القدور ، وهي تغلي ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد (٧) الماء ، فقالوا : يا موسى ، ادع في كشف هذا فدعا ، فكشف ، فرجعوا إلى كفرهم ، فبعث الله عليهم الدّم ، فرجع ماؤهم الذي يستقونه ، ويحصل عندهم دما ، فروي أنه كان يستقي
__________________
(١) الرّمق : بقية الحياة. وفي «الصحاح» : بقية الروح. وقيل : هو آخر النّفس.
ينظر : «لسان العرب» (١٧٣٢)
(٢) ذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٤)
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٧) برقم : (١٥٠٣٠) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٤) ، والبغوي (٢ / ١٩٢) بلفظ : «القمل : السوس الذي يخرج من الحنطة» ، والسيوطي (٣ / ٢٠٦) بلفظ : «القمل : الدبا».
(٤) ينظر : «الشواذ» (٥٠) ، و «المحتسب» (١ / ٢٥٧) ، و «الكشاف» (٢ / ١٤٨) ، و «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٤) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٣٧٣) ، و «الدر المصون» (٣ / ٣٣٠)
(٥) أي : منهال لا يثبت.
ينظر : «لسان العرب» (٤٧٣٩)
(٦) أخرجه الطبري (٦ / ٣٤ ـ ٣٥) برقم : (١٥٠٢٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٤)
(٧) أخرجه الطبري (٦ / ٣٧) برقم : (١٥٠٣١) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٤) ، والبغوي (٢ / ١٩٢) ، والسيوطي (٣ / ٢٠٦) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.