منك؟ قال : لا ، فأوحى الله إليه : بلى عبدنا خضر ، فقال : يا ربّ ، دلّني على السّبيل إلى لقيه ، فأوحى الله إليه أن يسير بطول سيف البحر ، حتّى يبلغ مجمع البحرين ، فإذا فقد الحوت ، فإنّه هنالك ، وأمر أن يتزوّد حوتا ، ويرتقب زواله عنه ، ففعل موسى ذلك ، وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة : لا أبرح أسير ، أي : لا أزال ، وإنما قال هذه المقالة ، وهو سائر ، قال السّهيليّ : كان موسى عليهالسلام أعلم بعلم الظاهر ، وكان الخضر أعلم بعلم الباطن ، وأسرار الملكوت ، فكانا بحرين اجتمعا بمجمع البحرين ، والخضر شرب من عين الحياة ، فهو حيّ إلى أن يخرج الدّجّال ، وأنّه الرجل الذي يقتله الدّجّال ، وقال البخاريّ وطائفة من أهل الحديث ، منهم شيخنا أبو بكر بن العربيّ رحمهالله : مات الخضر قبل انقضاء المائة من قوله صلىاللهعليهوسلم : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّ إلى رأس مائة عام منها لا يبقى على الأرض ممّن هو عليها أحد» (١) يعني من كان حيّا حين قال هذه المقالة ، وأما اجتماع الخضر مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم وتعزيته لأهل بيته ، فمرويّ من طرق صحاح ، وصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ أنه قال : «إنّما سمّي الخضر ؛ لأنّه جلس على فروة بيضاء ، فاهتزّت تحته خضراء» (٢).
قال الخطابي : الفروة (٣) وجه الأرض ، ثم أنشد على ذلك شاهدا انتهى.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٥٤) كتاب «مواقيت الصلاة» باب : ذكر العشاء والعتمة ، حديث (٥٦٤) ، من حديث عبد الله بن عمر.
(٢) أخرجه البخاري (٦ / ٤٩٩) كتاب «أحاديث الأنبياء» باب : حديث الخضر مع موسى ، حديث (٣٤٠٢) ، والترمذي (٥ / ٣١٣) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة الكهف ، حديث (٣١٥١) ، وأحمد (٢ / ٣١٨) ، وابن حبان (١٤ / ١٠٨ ـ ١٠٩) برقم : (٦٢٢٢) ، والبغوي في «معالم التنزيل» (٣ / ١٧٢) ، كلهم من طريق همام بن منبه ، عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٤) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
تنبيه : وهم الحافظ نور الدين الهيثمي فأورد هذا الحديث في كتابه «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» رقم : (٢٠٩٢) ، وشرط كتابه كما هو معروف أنه أورد ما هو زائد على «الصحيحين» من «صحيح ابن حبان». وللحديث شاهد من حديث ابن عباس ، ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٤) ، وعزاه إلى ابن عساكر.
(٣) الفرو الحشيش الأبيض وما أشبهه ، وقال الحربي : الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش. وعن ابن الأعرابي : الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات ، وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه ، وحكي عن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه كان إذا صلّى اخضر ما حوله. والخضر قد اختلف في اسمه قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره ، فقال وهب بن منبه : هو بليا بفتح الموحدة وسكون اللام وبعدها تحتانية ، ووجد بخط الدمياطي في أول الاسم بنقطتين ، وقيل : كالأول بزيادة ألف بعد الباء ، وقيل : ـ