بِهِ) ، أي : فاختلط النبات بعضه ببعض بسبب النماء ، (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) أصبح عبارة عن صيرورته إلى ذلك ، و «الهشيم» المتفتّت من يابس العشب ، و (تَذْرُوهُ) بمعنى تفرّقه ، فمعنى هذا المثل تشبيه حال المرء في حياته وماله وعزّته وبطره ، بالنّبات الذي له خضرة ونضرة عن الماء النازل ، ثم يعود بعد ذلك هشيما ، ويصير إلى عدم ، فمن كان له عمل صالح يبقى في الآخرة ، فهو الفائز.
وقوله سبحانه : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) لفظه الخبر ، لكن معه قرينة الصّفة للمال والبنين ؛ لأنه في المثل قبل حقّر أمر الدنيا وبيّنه ؛ فكأنه يقول : المال والبنون زينة هذه الحياة الدنيا المحقّرة ، فلا تتبعوها نفوسكم ، والجمهور أنّ (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ). هي الكلمات المذكور فضلها في الأحاديث : «سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» ، وقد جاء ذلك مصرّحا به من لفظ النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله : «وهنّ الباقيات الصّالحات».
وقوله سبحانه : (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) أي : صاحبها ينتظر الثّواب ، وينبسط أمله ، فهو خير من حال ذي المال والبنين ، دون عمل صالح ، وعن أبي سعيد الخدريّ ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «استكثروا من الباقيات الصّالحات» قيل : وما هنّ ، يا رسول الله؟ قال : «التّكبير والتّهليل والتّسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوّة / إلّا بالله» (١) رواه النسائيّ وابن حبّان في «صحيحه» انتهى من «السلاح».
وفي «صحيح مسلم» عن سمرة بن جندب ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «أحبّ الكلام إلى الله تعالى أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، لا يضرّك بأيّهنّ بدأت» (٢) وفي «صحيح مسلم» ، عن أبي مالك الأشعريّ ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «الطّهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السّموات والأرض ...» (٣) الحديث انتهى.
قال ابن العربيّ في «أحكامه» : وروى مالك عن سعيد بن المسيّب ، أنّ الباقيات الصالحات قول العبد : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، ولا حول
__________________
(١) أخرجه أبو يعلى (٢ / ٥٢٤) برقم : (١٣٨٤) ، وابن حبان (٢٣٣٢ ـ موارد) ، والحاكم (١ / ٥١٢) ، والطبري (١٥ / ٢٥٥) ، وأحمد (٣ / ٧٥).
وقال الحاكم : هذا أصح إسناد للمصريين ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وصححه ابن حبان.
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٦٨٥) كتاب «الآداب» باب : كراهية التسمية بالأسماء القبيحة ، ونحوه حديث (١٢ / ٢١٣٧) ، وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى مسلم.
(٣) تقدم تخريجه.