(وَاذْكُرُوا إِذْ
جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ
مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ
اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) قالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ
مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ
بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا
النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما
تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ
وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(٧٩)
وقوله سبحانه :
(وَاذْكُرُوا إِذْ
جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ...)
الآية : (بَوَّأَكُمْ) : معناه مكّنكم ، وهي مستعملة في المكان وظروفه ، و «القصور»
: جمع قصر ، وهي الديار التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة ؛ بخلاف بيوت العمود ،
وقصرت على الناس قصرا تامّا ، و «النحت» : النّجر والقشر في الشيء الصّلب ؛ كالحجر
والعود ، ونحوه ، وكانوا ينحتون الجبال لطول أعمارهم ، و (تعثوا) معناه تفسدوا.
قال أبو حيان : و (مُفْسِدِينَ) : حال موكّدة. انتهى.
و (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) هم الاشراف والعظماء الكفرة ، و «الّذين استضعفوا» : هم
العامة والأغفال في الدنيا ، وهم أتباع الرّسل ، وقولهم : (أَتَعْلَمُونَ) : استفهام ؛ على معنى الاستهزاء والاستخفاف ، فأجاب
المؤمنون بالتصديق والصّرامة في دين الله ، فحملت الأنفة الأشراف على مناقضة
المؤمنين في مقالتهم ، واستمرّوا على كفرهم.
وقوله سبحانه :
(فَعَقَرُوا
النَّاقَةَ) يقتضي بتشريكهم أجمعين في الضمير أن عقر الناقة كان على
تمالؤ منهم واتفاق ، وكذلك روي أنّ قدارا لم يعقرها حتّى كان يستشير ، و (عَتَوْا) : معناه : خشنوا وصلبوا ، ولم يذعنوا للأمر والشرع ،
وصمّموا على تكذيبه ، واستعجلوا النّقمة بقولهم : (ائْتِنا بِما
تَعِدُنا) ، فحلّ بهم العذاب ، و (الرَّجْفَةُ) : ما تؤثّره الصيحة أو الطّامّة التي يرجف بها الإنسان
، وهو أن يتحرّك ويضطرب / ، ويرتعد ؛ ومنه : «فرجع بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرجف فؤاده» وروي أنّ صيحة ثمود كان فيها من كلّ صوت
مهول ، وكانت مفرطة شقّت قلوبهم ، فجثموا على صدورهم ، والجاثم اللّاطئ بالأرض
__________________