ما لا نفهمه نحن ولا كلّ من خالطته حضارة ، ففهموا العجز عنه ضرورة ومشاهدة ، وعلمه الناس بعدهم استدلالا ونظرا ، ولكلّ حصل علم قطعيّ ، لكن ليس في مرتبة واحدة.
(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً)(٩٥)
وقوله سبحانه : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ...) الآية : روي في قول هذه المقالة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم حديث طويل ، مقتضاه : أنّ عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وعبد الله بن أبي أميّة ، والنّضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وساداتها ، اجتمعوا عليه ، فعرضوا عليه أن يملّكوه إن أراد الملك ، أو يجمعوا له كثيرا من المال ؛ إن أراد الغنى ونحو هذا من الأقاويل ، فدعاهم صلىاللهعليهوسلم عند ذلك إلى الله ، وقال : إنما جئتكم بأمر من الله فيه صلاح دنياكم ودينكم ، فإن أطعتم ، فحسن ، وإلا صبرت حتّى يحكم الله بيني وبينكم (١) فقالوا له حينئذ : فإن كان ما تزعم حقّا ، ففجّر لنا من الأرض ينبوعا ... الحديث بطوله ، «والينبوع» : الماء النابع ، و (خِلالَها) ظرف ، ومعناه أثناءها وفي داخلها.
وقوله : (كَما زَعَمْتَ) إشارة إلى ما تلا عليهم قبل ذلك في قوله سبحانه : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ...) الآية [سبأ : ٩] «والكسف» الشيء المقطوع ، وقال الزجّاج (٢) المعنى : أو تسقط السماء علينا طبقا ، وقوله : (قَبِيلاً) قيل : معناه مقابلة وعيانا ، وقيل : معناه ضامنا وزعيما بتصديقك ؛ ومنه القبالة (٣) وهي الضمان ، وقيل : معناه نوعا وجنسا لا نظير له عندنا ، (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) ، قال المفسّرون : الزّخرف الذّهب في هذا الموضع ، (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) ، أي : في الهواء
__________________
(١) أخرجه الطبري ، وابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر كما في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦) ، عن ابن عباس.
(٢) ينظر : «تفسير الزجاج» (٣ / ٢٥٩)
(٣) القبالة : الكفالة ، وهي في الأصل : مصدر قبل : إذا كفل ، وقبل «بالضم» ـ إذا صار قبيلا ، أي : كفيلا ، وتقبّل به : إذا تكفّل.
ينظر : «لسان العرب» (٣٥٢)