(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٠)
وقوله سبحانه : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ...) الآية : (يَهْدِي) ، في هذه الآية بمعنى يرشد ، ويتوجّه فيها أن تكون بمعنى «يدعو» و «التي» يريد بها الحالة والطريقة ، وقالت فرقة : «التي هي أقوم» : لا إله إلا الله ، والأول أعمّ ، «والأجر الكبير» الجنة ؛ وكذلك حيث وقع في كتاب الله فضل كبير ، وأجر كبير ، فهو الجنة ، قال الباجيّ قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : إن استطعت أن تجعل القرآن إماما ، فافعل ، فهو الإمام الذي يهدي إلى الجنّة. قال أبو سليمان الدارانيّ : ربّما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال ، ولو لا أني أدع التفكّر فيها ، ما جزتها ، وقال : إنما يؤتى على أحدكم من أنه إذا ابتدأ السورة ، أراد آخرها. قال الباجيّ. وروى ابن لبابة عن العتبي عن سحنون ؛ أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم ، فقال له : ما فعل الله بك؟ قال : وجدت عنده ما أحببت! قال له : فأي أعمالك وجدت أفضل؟ قال : تلاوة القرآن ، قال : قلت له : فالمسائل ، فكان يشير بأصبعه ؛ كأنه يلشيها ، فكنت أسأله عن ابن وهب ، فيقول لي : هو في علّيّين. انتهى من «سنن الصالحين».
(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً)(١٢)
وقوله سبحانه : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) : سقطت الواو من (يَدْعُ) في خطّ المصحف (١).
قال ابن عباس وقتادة ومجاهد : هذه الآية نزلت ذامّة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم في وقت الغضب والضّجر ، فأخبر سبحانه أنهم يدعون بالشرّ في ذلك الوقت ، كما يدعون بالخير في وقت التثبّت ، فلو أجاب الله دعاءهم ، أهلكهم ، لكنّه سبحانه يصفح ولا يجيب دعاء الضّجر المستعجل (٢) ، ثم عذر سبحانه بعض العذر في أن الإنسان له عجلة
__________________
(١) قال الشيخ البنا : «واتفقوا على كتابة «ويدع الإنسان» بحذف الواو». ينظر : «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ٢٠٧)
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٤٤) برقم : (٢٢١١٢) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٤١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٢٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠١) ، وعزاه لابن جرير.