بالله ، وهذا الإخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة ـ يقتضي أن الاستعاذة تصرف كيده ، كأنها متضمّنة للتوكّل على الله ، والانقطاع إليه.
(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٠٤)
وقوله سبحانه : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) يعني بهذا التبديل النّسخ ، (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) : أي قال كفّار مكّة ، و (رُوحُ الْقُدُسِ) : هو جبريل ؛ بلا خلاف.
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) قال ابن عباس : كان بمكّة غلام أعجميّ لبعض قريش يقال له : «بلعام» ، فكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعلّمه الإسلام ، ويرومه عليه ، فقال بعض الكفّار هذا يعلّم محمّدا ، وقيل : اسم الغلام «جبر» ، وقيل : يسار ، وقيل : يعيش ، والأعجميّ هو الذي لا يتكلّم بالعربية ، وأما العجميّ ، فقد يتكلّم بالعربيّة ، ونسبته قائمة (١).
وقوله : (وَهذا) إشارة إلى القرآن والتقدير : وهذا سرد لسان ، أو نطق لسان.
(إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥) مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١٠٦)
وقوله / سبحانه : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ) : بمعنى : إنما يكذب ، وهذه مقاومة للذين قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) [النحل : ١٠١] ، ومن في قوله (مَنْ كَفَرَ) بدل من قوله : (الْكاذِبُونَ) ، فروي : أن قوله سبحانه : (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) يراد به مقيس بن ضبابة وأشباهه ممّن كان آمن ، ثم ارتدّ باختياره من غير إكراه.
وقوله سبحانه : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) ، أي : كبلال وعمّار بن ياسر وأمّه وخبّاب وصهيب
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٦٤٨) برقم : (٢١٩٣٣) بنحوه ، وذكره البغوي (٣ / ٨٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٢١) ، وذكره ابن كثير (٢ / ٥٨٥) بنحوه ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٧) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وابن مردويه بسند ضعيف.